يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

"شيخ نامي": ها قد حان الأوان

Tuesday, May 23, 2023 1:16:25 PM



بقلم نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي


عندما طوت ماجده صفحة ربيعها رثيتها بمقال حمل عنوان:" قمر جونيه الحزين".يومها اكتفى بشكري وقال:" انت ابن أصل". لكني علمت في ما بعد انه " بروز " المقال وثبته على جدار المدفن الذي ترقد فيه فلذته. لم تمر سنوات حتى غاب خليل في فاجعة هزت لبنان،وقضت على ما تبقى في الرجل المحطم من صلابة. إختلس لحظة في خضم "عجقة " المعزين الذين غصت بهم دارة الشيخ هيكل الخازن ليتمنى علي كتابة نص عن خليل الذي" كان يحبك كثيرا... وتعرف انت معجنه قدر ما نعرف وأكثر..."وعدته وحاولت. كان قلمي معاندا، عاجزا عن الإحاطة بحزني والمي .اختلط حبره بدمعي. اجتنبت أن اشرح له سبب تقاعسي. فكرت ان اصوغ له مبررا . لم أجد ما أقوله. ربما لن يصدق اني عاجز عن رثاء فلذته الأخرى. وهو كان يقول دائما أن قلمي يطاوعني ساعة اشاء وكيفما اشاء.ومرت الايام ولم يفاتحني بالامر. ربما أدرك بالحدس أن فجيعتي بالخليل تعادل فجيعته، وصدمتي بالنوازل التي حلت به وتركته وحيدا بلا زوجة ولا عائلة، وجعلته ابا لاحفاده، توازي صدمته.

نامي الخازن "شيخ" الأحزان وسيدها الذي اسال آلامه مدادا يخط به ملحمة سخريته من الدنيا التي أظلمت في وجهه وقست عليه، وزادت في عبثيته ،فتتراءى أمامك صورة الفجيعة مع كل نكتة يطلقها. ويدهمك شبح المأساة مع نقدات لاذعة لا يوفرها ولا يخشى قولتها،يستدبر به المعني ولا يستغيبه. إنها ثقافة المواجهة التي ما تحاشاها يوما غير عابيء بمن يغضب او يصفق، أو يستقبح او يستحسن. يستقريء الافكار، يغوص عميقا في السرائر، يجيد التوصيف،يصيب في التعليقات التي غالبا ما تسري في جونيه والمجتمع الكسرواني سريان النار في الهشيم ،وكأني به اختصر في شخصه، لئلا اقول استنسخ، كل فكاهات الخازنيين ونوادرهم، مؤكدا حفظه لهذا الارث الذي تهادى اليه، مضيفا قبسات من طرف مستملحة تطايرت شراراتها التي شقت طريقها مستدرجة الضحك بل القهقهة من أكثر الوجوه عبوسا وتجهما. انه حضور الذهن، العقل المتقد.

إنها المتابعة الدؤوب، الثقافة العملية. وقبل اي شيء معاركة الدهر وما تخلف من تجارب وعبر. وإن من يتفرغ لتسقط اخباره، و" لسعات" لسانه، وجمع نكاته التي لم توفره هو شخصيا، ومحيطه الاقرب قبل آلاخر،ونقداته السياسية والاجتماعية البليغة في ايجازها التي تصيب معين الواقع والحقيقة بسهام الملاحظة الدقيقة، وتوثيق " مقالبه" الطريفة التي تتناقلها صالونات العاصمة الكسروانية وما جاورها، سيعود بغلال وفيرة تؤرخ لمرحلة من حياة منطقة، بل وطن احبه على طريقته. فعرف أحجام الناس وقاماتها، وما كان " مغشوشا" . لكن لم " يبلع" لسانك لأنه لم يكن خبيثا.جاهر بما كان يجول في خاطره، وقال لل" اعور":" اعور بعينك". كل ذلك من دون حقد، أو ضغينة ،على " اذنك يا سامع". وكان الجميع يتقبلون ب" بسمة"و " قهقهة" وبعضهم يطالبه ،بما كان يطالب به عشاق الزجل موسى زغيب:" زيدا وعيدا يا موسى":" عيدا وزيدا يا نامي".

يا صديقي اعذرني ... اعذرني...اعذرني...لن أكون في وداعك لغيابي عن لبنان ...انا الذي لم اتخلف يوما عن الحضور والوقوف معك مشاركا في الانتحاب على ما ألم بك من مصاب...وابحث حيثما انا عمن يشاركني دمعي على غيابك الذي سيترك فراغا لدى الكثيرين ،خصوصا شلة " الكاستيل"، والاصحاب الذين ادمنوا عليك إدمان العاشق لمعشوقته، بعدما صرت خبزهم اليومي والطيف الملازم لهم، والبسمة التي سكنت وجوهم. يا " شيخ" الأحزان والآلام...في يوم رحيلك تغضن جبين جونيه، غزا وجهها العبوس، وكلح وجه شمسها، وانت في مشوارك الاخير تتحرق شوقا للقاء ماجده، جهاد وخليل. اعرف جيدا أن سخريتك اللاذعة التي طبعت حياتك لم تستطع أن تسلخ عنك جلد الانسان، لأنك كنت تحسن التوقيت : متى تفرد أجنحة الحنان، وكيف تضم من دمرك غيابهم. فاصدق المشاعر هي التي لا يعبر عنها الا عندما يحين الأوان. وها قد حان الأوان. فامض يا رعاك الله ، فمن قال ان ساكني العلياء لا يستملحون الدعابة، ولا يستمرئون الفكاهة؟

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟