يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

المستحيل والممكن: قصّة الميدل إيست مع الإصلاح

Monday, September 19, 2022 9:31:56 AM


بقلم الدكتورة جوسلين البستاني-النهار


سنروي لكم قصة نجاح حصلت منذ أكثر من عقدين طالت أحداثها شركة طيران الشرق الأوسط أو #الميدل إيست التي يملك #مصرف #لبنان 99 في المئة من أسهمها. إنها المثل الصارخ عن إمكانية حصول الإصلاح والوصول إلى نتائج إيجابية عندما يُرفع الضغط السياسي ويُطلق العنان للمعايير العلمية والاقتصادية. لا أحد ينكر أن الكلفة المالية كانت باهظة حينها لكنها كانت مبرّرة، فماذا حصل مع الميدل إيست عام 2001؟

"نظراً لخطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، لم تعد الطبقة السياسية تملك ترف تكريس معظم وقتها في حلّ خلافاتها الداخلية". لا يصف هذا التصريح واقع لبنان الحالي بل يعود تاريخه الى آذار 2001 يوم زار جيمس ولفنسن رئيس البنك الدولي بيروت. وضع هذا الأخير الإصبع على الجرح حين قال إنه يجب أن يحلّ الإجماع الوطني الراسخ محل روح الانقسام والعداء السائِدَين حالياً داخل الطبقة السياسية اللبنانية. من سخرية القدر أن الأمور ما زالت على حالها لا بل زادت سوءاً. في الواقع، ما نشهده حالياً كان قد بدأ فعلياً في التسعينيات، بعدما أدّى حجم دمار الحرب إلى جانب انسداد الأنشطة الاقتصادية وشللها لفترة طويلة إلى دفع البلاد إلى حدود الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الشامل. توالت ثلاث حكومات بعد عودة السلم الى لبنان إلى أن تسلّم رفيق الحريري رئاسة الحكومة وأطلق برنامج الإصلاحات، لكن تدهور الحالة الاقتصادية زاد سوءاً بعدما مُنحت زيادات في الأجور لموظفي القطاع العام في عام 1992. لم يتمكن الحريري من إجراء الإصلاحات المطلوبة ولم يؤدِّ الإعمار إلى حصول نهضة اقتصادية لا بل في نهاية عام 1997 تدهور الوضع المالي بنحو خطير، وحدها المساعدة الطارئة التي قدّمتها المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتّحدة منعت الانهيار الشامل للاقتصاد. خلف سليم الحصّ رفيق الحريري عام 1998، وعلى الرغم من التدابير التقشّفية لم ينجح في تقليص عجز الخزينة العامة. عاد الحريري رئيساً للوزراء عام 2000 مع هدف إطلاق خطّة إنعاش اقتصادي كانت تتضمّن حينها مشروع الخصخصة التي تمّ التصويت على قانونها في أيار 2000 وكانت تطال أهمّ المرافق العامة بالإضافة الى شركة الميدل إيست.
في الحقيقة، كان مجلس إدارة شركة الميدل إيست قد أطلق خطة الإصلاح الهيكلي في عام 1998، لكنها لم تتحقق إلا في حزيران 2001، والسبب يعود وفقاً للرئيس التنفيذي السابق للشركة عبد الحميد فاخوري الى العامل الاجتماعي وتداعياته السياسية التي أدّت الى هذا التأخير. "في الواقع ، تُعدّ الشركة أكبر ربّ عمل في الدولة بعد الإدارة العامة"، ولا بدّ من التذكير بأنه حتى ذلك التاريخ لم تكن هنالك أي إشارة إلى الخصخصة. عُقد الاجتماع الأول لمجلس الوزراء المخصص لدراسة خطة إصلاح الشركة في 16 أيار 2001، وكانت الشائعات الرائجة حينها تُشير الى أن الجميع اتّفقوا على إبعاد هذا الملف عن التجاذب السياسي بمن فيهم رئيس المجلس نبيه برّي، غير أن نجيب ميقاتي وزير النقل يومها، الذي يقع المطار من ضمن صلاحياته، كان مبدئياً مؤيّداً للإصلاح إلا أنه لم يدعم طلب الرئيس التنفيذي للشركة محمد الحوت تقليص القوى العاملة كمرحلة أولى من إعادة التنظيم، وذلك على الرغم من أن مجلس الوزراء سبق أن أصدر قراراً شكر فيه الموظفين المفصولين مستفيداً من دعم الرئيسين لحود والحريري.

تبلّغ موظفو الميدل إيست إخطارات الفصل في 21 حزيران 2001 وكان عددهم 1422 موظّفاً سرعان ما تداعوا الى الإضراب وإلى استقالة مجلس الإدارة. انضمّ إليهم نوابٌ من "حزب الله" و"أمل" والحزب القومي السوري الاجتماعي، واتّسم خطاب نواب "حزب الله" بالحدّة وتحريض المُضربين على سياسة الحكومة مُدّعين أن هنالك مخططّاً يُحاك ضدّ الميدل إيست مُتّهمين الرئيس الحريري بأنه المسؤول الأول عن هذه الأزمة. وأكد الأمين العام لـ"حزب الله" "أن من واجب الحزب الدفاع عن المحرومين والفقراء خاصة عندما نرى أن موظفين في شركة كالميدل إيست هم مغبونون ومقهورون، وأن كل واحد في هذا البلد يكتفي بحماية جماعته الخاصة باستثناء الآخرين". بالطبع لم تتم الإشارة إلى مئات الموظفين الذين يقبضون رواتبهم دون مزاولة العمل. تطوّرت حركة الاحتجاج (التي دامت حوالي شهر) وتوجّه المُحتجّون إلى مكتب محمد الحوت الذي هُدّد بسلامته الشخصية وكان أحدهم حاملاً بيده هراوة، وقُطعت عن المبنى الذي يقع فيه مكتبه المياه والكهرباء والهاتف. ندّد بعض أعضاء الحكومة بتسييس هذه القضية من قبل أحزاب مُمثّلة في السلطة، ورفض رئيس الحكومة الخضوع للضغوط مُصرّاً على المضيّ قُدماً بخطة الإصلاح رافضاً الابتزاز بسبب انعدام الخيارات، فإما الإصلاح أو إعلان الإفلاس. في 27 حزيران حصل اجتماع ضمّ رئيس الوزراء رفيق الحريري ووزير العمل علي قانصوه والمدير العام للميدل إيست محمد الحوت ورئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن ومُمثلين عن النقابات باستثناء نقابة الطيارين، تمّ خلاله الاتفاق على المضيّ بالإصلاحات.

ما الذي حصل حتى استجاب الجميع للغة العقل؟ في الحقيقة وبكل بساطة، طلب رئيس الوزراء رفيق الحريري من السوريين إقناع "حزب الله" بوضع حدّ لحملته ضدّ خطة إصلاح الميدل إيست. بالفعل وبسحر ساحر اتّصل قادة الحزب بالحريري لإبلاغه دعمهم لكل تسوية جرى التفاوض عليها.

كان ثمن إصلاح الميدل إيست باهظاً إذ كلّفت تعويضات الموظفين بحدود مئة مليون دولار أميركي، لكن ابتداءً من 2002 بدأت الشركة بتحقيق أرباحٍ لأول مرة منذ عقود طويلة وإن كانت أرباحاً متواضعة ( ثلاثة ملايين دولار)، لكنها سمحت بعد حين لمجلس إدارة الشركة بإتخاذ قرار تحديث الأسطول بتسع طائرات.

تُلخّص هذه القصّة واقع وطنٍ يتعايش فيه الممكن والمستحيل وفقاً لموازين القوى على الأرض، حيث يصبح الإصلاح ممكناً بفعل ممارسة الأقوى (أي المحتّل السوري يومها) الضغوط على الأضعف ثم يعود ويصبح مستحيلاً عندما يستَحوذ المُعطّل بدوره على عامل القوة. بالتالي، من الصعب جداً أن يعرف هذا الوطن الإصلاح يوماً خاصة وقد سبق للأمين العام لـ"حزب الله" أن برّر هذا الواقع من خلال فكرة أن "كل واحد في هذا البلد يكتفي بحماية جماعته الخاصة بإستثناء الآخرين". بالتالي، من غير المُستغرب أن نشهد هذا المسار الانتحاري في غياب مفهوم الوطنية حيث الوصول إلى الموارد الاقتصادية يقتصر على الاستيلاء على السلطة ويتعارض مع إمكانية إجراء الإصلاحات مؤدّياً إلى تفاقم المشاكل القائمة. أخيراً، من المؤلم التذكير بأنه لولا تدخّل المحتلّ السوري حينها لكانت الميدل إيست أعلنت إفلاسها حتماً، ولأدّى ذلك الى تغليب مصالح الجماعة الضيّقة على الآخرين، ومن كان مستعداً حينها للتضحية بالميدل إيست من أجل حماية جماعته نراه اليوم مستمراً في هذا النهج لكن على مستوى الوطن.
 
المستحيل والممكن: قصّة الميدل إيست مع الإصلاح |

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟