يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

التحررُ من التّفكير الخرافي!

Friday, June 24, 2022 4:00:20 PM

بقلم حسن المصطفى-النهار العربي

"نعوذ بالله من سبات العقل"، مقولة منسوبة إلى الإمام علي بن أبي طالب، ضمّنها الراحل جورج طرابيشي مؤلفه "المعجزة أو سبات العقل في الإسلام"، مفتتحاً بها الكتاب الذي ناقش فيه مفهوم المعاجز والكرامات، والأبعاد الاجتماعية والثقافية لها، وكيف عمل أتباع الأديان والمذاهب على خلق الكثير من الأساطير، بغية منح أفكارهم وعقائدهم المزيد من القوة والحظوة، وسعياً إلى إقناع الغير، وإبداء التفوق، من خلال فعل لا ترتقي إليه عقول البشر، إلا أنها برأي طرابيشي، لم تكن إلا مجرد ادعاءات صرفة، ليس هنالك دليل حسي أو تاريخي قائم وناهض على صحتها، بل الكثير منها موجود لدى مختلف الديانات، يبدل الأتباع فيه بعض التفاصيل، ليستقيم مع سرديتهم التاريخية!

تذكرتُ كتاب جورج طرابيشي، وأنا أشاهد في مطلع حزيران (يونيو) الجاري، تقريراً متلفزاً ضمن برنامج "MBC في أسبوع"، بعنوان "رجال دين يثيرون سخرية المتابعين عبر قصص وروايات خرافية"، أعده الصحافي يوسف الغنامي، استعرض فيه مجموعة مقاطع فيديو لعدد من الدعاة الدينيين من مذاهب إسلامية متعددة، يحكون فيها قصصاً بعيدة من المنطق، لا يمكن للتفكير السويّ أن يتقبلها، فيما هؤلاء الدعاة يقدمونها بوصفها قصصاً وعظية أو خوارق أو كرامات أو أدلة على فضل وليٍّ من الأولياء أو صوابية عقيدة من العقائد!

الدعاة الذين استعرضهم التقرير، ينتمون إلى مدارس فقهية وعقدية متباينة إلى حد التضاد، بل إن بعضهم قد يكفّر البعض الآخر، سنّة وشيعة، إلا أن "الخرافة" جمعتهم، عابرة بذلك الطوائف، ومستقرة في خطاب هؤلاء المشائخ، الذين يخاطبون الغرائز بأبخس ما لديهم من بضاعة، شاحين أبصارهم عن أعظم ما خلق الله ألا وهو العقل!

إن الاتكاء على "الخرافة" لدى رهط من السنّة والشيعة، والسلفية والصوفية، هو منهج من أجل تطويع الأتباع. لأن التابع لا يكون سهل العريكة إذا أعمل عقله، وكان لديه حس نقداني، ورؤية ذاتية مستقلة. فالمطلوب مجرد مؤمنين بسطاء لا يسألون، ولا يحاججون، وإنما يسلّمون تسليماً!

التفكير النّقدي الحر، لا يعجب باعة الوهم من رجال الدين، الذين يصورون "المساءلة" وكأنها تشكيك في أُسِ الدين، واعتراض على أمر الله، فيما هذه الأسئلة المشروعة هي شأن أي عاقل ينتهج آلية علمية في حياته، ويسعى إلى أن يكون تصوره الأقرب للمنطق والبعيد من التّبعية.

الخرافة حوّلت الدين إلى مجرد طقوس، شكليات جوفاء، وأفرغته من عقلانيته، روحانيته، ولاهوت استقلاله، في مسعى للمطابقة بين الدين من جهة، والخطاب الديني الشعبوي من جهة أخرى!

تحرير الفرد المسلم والمجتمعات المؤمنة من الخطابات الخرافية والتسطيحية بات مسألة غاية في الأهمية، لأن أي تنوير لا يمكن أن يتم ما دام العقل مستلباً لمقولات بشرية - ما ورائية، بل حكايا هي في حقيقتها مجرد أكاذيب، نُسجت بدعوى الوعظ والإرشاد، وهداية الناس، فيما هدفها تحقيق الغلبة لمذهب على آخر، وشد العصب الطائفي، وجمع المناصرين، وجعل كلمة الوعاظ هي العُليا.

هذا التحرر لا يمكن أن يتم إذا امتهن الوعظ، آحادُ الناس ممن لا يمتلك أي مؤهل علمي، أو ليس لديه ثقافة وبصيرة تصيره قادراً على أن يكون في موقع من يقدم الأفكار والمحاضرات للناس.

ليس من الطبيعي أن تكتظ المساجد والحسينيات والمهرجانات ودور العبادة، برجال دين سنّة وشيعة، ميزتهم الوحيدة أنهم يرتدون جبة الشيخ ويحسنون الخطابة وحسب! بل يجب أن يكون المؤهل العلمي والمناقبية الأخلاقية والوعي الذاتي والورع، هي الصفات التي تؤهل أي فرد لأن يكون في محل الإرشاد الديني والأخلاقي.

تنظيم الشأن الديني العام هو أحد الأمور التي يجب العمل عليها بوعي وشفافية، ووضع مسطرة علمية تحدّ من سطوة الخطابات الخرافية والعجائبية، وإلا فسيبقى باعة الأكاذيب يتسيدون المشهد، فيما العلماء الحقيقيون في ذيل المجالس، لا يستمع إلى علمهم أحد!

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟