يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

حسن المصطفى -"حسينيّة العوامي".. أوسعُ من مجرّدِ مساحة للبكاء!

Friday, June 18, 2021 9:49:00 AM

بقلم حسن المصطفى - النهار العربي

لسنواتٍ طويلة، كان الخال الراحل السيد محمد باقر العوامي، يتولى مسؤولية الإشراف على "حسينية العوامي"، في محلة القلعة، في مدينة القطيف، شرق السعودية.

كانت الحسينية وقتها مقصداً للكثير من المؤمنين الذين يأتون لإحياء ذكرى آل بيت نبي الإسلام محمد بن عبد الله، وأيضاً المناسبات الاجتماعية المتعلقة بحفلات الزواج أو مآتم وفيات أعيان المنطقة وأهاليها.

كان السيد محمد العوامي، من الشخصيات القطيفية التي استقطبت باكراً "خطباء حسينيين" من خارج السعودية، مثل السيد حسين الشامي، والسيد حسن القبانجي، والسيد مرتضى القزويني. كان يوفر لهم المسكن والضيافة، ويتوافد المؤمنون للاستماع إلى خطبهم التي كانوا يعتبرونها أكثر جودة من العديد من الدعاة المحليين - حينها - إذا استثنينا مجموعة بارزة مثل الشيخ محمد صالح البريكي، والشيخ ميرزا حسين البريكي.

تالياً، تتالى على منبر آل "العوامي" مجموعة من الشخصيات الدينية في القطيف، أبرزها الخطيب الشيخ عبد الرسول البصارى، ومن ثم الشيخ حسن الصفار، بُعيد عودته من سوريا في أواسط التسعينات الميلادية من القرن المنصرم.

عندما توفي السيد محمد العوامي، أصبح أخوه السيد محسن العوامي مشرفاً على ترتيب أوقاف "الحسينية"، وتوفير مستلزمات إحياء المناسبات الدينية، والأمور المتعلقة بالضيافة، وهي أمور برع فيها.

السيد محسن الذي عُرف بالصبر والحنان والصرامة، وأيضاً روح الفكاهة والدعابة، تولى الإشراف في فترة كان يلازم "المأتم" فيها بقية إخوته: السيد علي، السيد حسين، السيد حسن، والسيد حيدر.. وهم جميعهم على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية، وتفاوت اهتمامهم بالشأن العام، إلا أن المجلس العائلي – الديني كان يجمعهم تحت سقفه، كما كان يجمع بقية الأبناء والأحفاد.

عندما أعلنت "الحركة الإصلاحية" وقف نشاطها السياسي المُناوِئ للحكومة السعودية، والعودة إلى المملكة، وحل تشكيلاتها التنظيمية الخارجية، كان زعيمها الشيخ حسن الصفار، بحاجة إلى منصة ذات قيمة ورمزية ينطلق من خلالها في عمله الداخلي وخطابه الوطني – الديني الجديد، وهو يدركُ أنه ما لم يستطع أن يفتت جدار العزلة الذي فُرض على حركته بخاصة، و"التيار الشيرازي" عامة، في وسط القطيف، فلن يستطيع أن ينهض بمهمته بشكل مريح، وستكون أمامه الكثير من العقبات.

حسينية "العوامي" بما تمثل من ثقلٍ تاريخي اجتماعي وثقافي في المنطقة، وبما تمثله من شبكة علاقات عائلية مع الأُسر النافذة اقتصادياً ودينياً، كانت محط أنظار الشيخ حسن الصفار، لعلمه أنها ستكون منبراً في غاية الأهمية، ينطلق عبره لمخاطبة جمهور جديد ومحاولة استمالته والتأثير عليه.

الحسينية كانت لها تجارب سابقة، فهي إبان إضراب عُمال شركة "أرامكو" في عهد الراحل الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود، كانت "الحسينيات في القطيف، خصوصاً حسينية آل العوامي، مركز تجمع العمال، وتشجيع بعضهم بعضاً، والحث على مواصلة الإضراب"، كما أشار الى ذلك السيد علي باقر العوامي في الجزء الأول من كتابه "الحركة الوطنية السعودية 1953 – 1973".

السيد علي العوامي، الذي كان شخصية من رموز التيار "الوطني - المدني" في المنطقة الشرقية، كان يحضرُ في مأتم أجداده، وإلى جواره أخوه السيد حسن العوامي، الذي كان هو أيضاً أحد الرموز الوطنية، وإن افترقا في المنهج. فالسيد علي كان ذا نزعة تحررية، خارج الأُطر الدينية التقليدية أو حتى المعاصرة منها، إلا أنه كان في الوقت ذاته متصالحاً مع ذاته ومجتمعه، لا يستهزئ بالمتدينين ولا ينبذهم، وإن اختلف بشكل كبير فكرياً معهم، ومن هنا كان انفتاحه على تيار الشيخ حسن الصفار، حتى إبان وجودها في محلة "السيدة زينب" في الجمهورية السورية، برغم الفروقات الثقافية بينهما والتي لا تُخطئها عين!

السيد حسن باقر العوامي، كان شخصية ضمن تيار "الوجهاء التقليديين"، أي أنه لم يكن ذا صبغة تحررية ليبرالية ناقدة للفكر الديني، إذ بقيت أطروحاته ضمن إطار "التصور الإسلامي المُعصرن"، الذي يعمل على محاولة تكييف الخطاب الديني مع متطلبات الحياة، وهذا التوجه جعل العلاقة ممكنة بينه وبين الشيخ حسن الصفار، من دون إغفال البُعد السياسي والحقوقي، لأن السيد حسن العوامي كان دائم السفر إلى العاصمة السعودية الرياض، بهدف لقاء ملوك المملكة وأمرائها، والتواصل مع المسؤولين في المنطقة الشرقية، والوزارات، بغية تحقيق إصلاحات تنموية وإدارية في محافظة القطيف، أو حل بعض المشكلات ذات الطابع المذهبي، والتي كان يتسبب بها بعض السلوك المتطرف للتيار المتشدد والصحويين حينها!

امتاز السيد حسن العوامي بالجرأة، وله مراسلات عدة مع مراجع شيعية مثل الراحل السيد محمد الشيرازي، ومراسلات نقدية واعتراضات على أفكار الشيخ سلمان العودة، وجزء منها نشر في بعض مؤلفاته، فضلاً عن أنه كان معروفاً بقدرته على الارتجال وصوغ الخطابات، ولذا، وإبان العمل "الوطني"، كانت حسينية "العوامي" مقصداً للوجهاء، وتجد فيها شخصيات من مذاهب مختلفة من أصدقائه، وهو مشهد طالما شكل إلهاماً للشباب الذين يبصرون هذا التعدد ويستفيدون منه، وساعدهم في تخطي التفكير الأقلوي الانعزالي.

عندما تزوج الإعلامي والعضو السابق في "مجلس الشورى"، محمد رضا نصر الله، أقام الحفل في "حسينية العوامي" عام 1985، وحضر المناسبة مجموعة من كبار أدباء المملكة ومثقفيها، أسماء على وزن الدكتور غازي القصيبي، العلاّمة حمد الجاسر، محمد حسن فقي، محمود عارف، رضا لاري، فهد العريفي، الدكتور عبد الله منّاع، صالح العزاز، عبد الله الشهيل، سعد البازعي.. ولفيفٌ من مثقفي المنطقة الوسطى والغربية، تقرفصوا جميعهم في الحسينية؛ إلى جانب أدباء من المنطقة الشرقية والقطيف وصحافييها، أمثال: محمد سعيد المسلم، محمد سعيد الجشي، محمد رضي الشماسي، حسن السبع، عبد الله الشيخ، عدنان العوامي، خليل الفزيع، شاكر الشيخ، عبد الرؤوف الغزال، وفق التقرير الذي نشرته عنه بعد سنوات صحيفة "صبرة" الإلكترونية، وحمل عنوان: "في عز الصحوة.. قمة ثقافية سعودية في حسينية العوامي".

د. تركي الحمد، الشاعر محمد العلي، الشاعر علي الدميني.. وسواهم من المثقفين البارزين جميعهم مروا من هنا، عبر "حسينية العوامي" في المناسبات المختلفة.

هذا التنوع مردهُ الى تاريخ المكان والعائلة من جهة، وأيضاً الى العقل المرن الذي يؤمن بالتنوع من جهة أخرى. عقل ينظر إلى "الحسينيات" كمساحات اجتماعية مفتوحة، وليست أماكن مذهبية مغلقة. أماكن للتفكير والنقاش والتلاقي واستذكار تاريخ آل بيت النبوة، لا لاستخراج ما يدمي الصراعات الطائفية ويثير الأحقاد، بل للوقوف على أرض مشتركة، أرضٌ تقربُ بين أبناء الوطن، وترسخ التنوع كعنصر ثراء، وهي القيم التي عمل العقلاء على توطيدها قبل أن يختطف المتشددون، السنة والشيعة، المشهد، ويحوّلوه إلى صراعات بالسيوف الخشبية والشتائم والتحريض ورائحة الدم والبارود!

من هنا أهمية استحضار هذه التجارب، من أجل الوقوف على التنوع الأصيل في السعودية، وكيف أن هذه الأطياف الاجتماعية والثقافية هي حقيقة ماثلة منذ عقود طويلة، ويجب ألا يخشى منها البعض؛ بل من المهم استثمارها لبناء دولة مدنية حديثة، بعيدة عن النزاعات الطائفية العبثية التي ملَّ منها المواطنون وسئموا أحقادها النتنة.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟