يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

تجربتي العائلية مع التعددية الثقافية والدينية والعرقية في السعودية!

Saturday, June 12, 2021 9:48:58 AM

بقلم حسن المصطفى

ولدتُ لسيدة جليلة، من حي القلعة، في مدينة القطيف، شرق السعودية، ألا وهي خاتون السيد باقر السيد علي العوامي، ويصل نسبها إلى الإمام موسى الكاظم، حفيد السيدة فاطمة الزهراء، إبنة نبي الإسلام محمد بن عبد الله.

تزوجت أمي والدي، الراحل الحاج مهدي بن حسن المصطفى، الرجل الذي تعبَ من أجل تربيتنا وتوفير أفضل بيئة لنا، بقدر ما يملك من إمكانات ذاتية، ومنحنا الحب والحنان الغامرين.

كانت أمي شغوفة بالعلم، تدفعنا جميعنا، أنا وأختيَّ بيداء وأمل، وأخي باسل، نحو التفوق ومواصلة الدراسة، وهي كانت الأستاذة الأولى لنا.

هذا الولع بالمعرفة لم يكن أمراً طارئاً، فهي كانت من صغرها تواقة لمواصلة تعليمها، إلا أنها لم تستطع أن تكمل دراستها الابتدائية بسبب بعض الظروف العائلة.

كان جدي السيد باقر العوامي، عالم دين محافظاً، ووقف ضد أن تلتحق والدتي بالمدرسة، عندما بدأ التعليم النظامي في القطيف، وهو ما حال دون أن تبدأ باكراً.
الجدُ الذي كان يعتقد أن التعليم الحكومي قد يشكل خطراً على تدين النساء وأخلاقهن وأفكارهن، كان ابنه الراحل السيد علي العوامي، من أوائل الشخصيات الوطنية التي كتبت في الصحافة وسعت من أجل افتتاح مدارس للفتيات في السعودية، في عهد الراحل الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود.

الجد الذي كان تقياً ورعاً، درسَ ثلاثة من أبنائه العلوم الدينية، خصوصاً أنهم ينتمون إلى أسرة عرفت بالعلم والتدين.

خاليَّ السيد محمد العوامي، درسَ الفقه واللغة العربية، ولبسَ العمة السوداء، إلا أن والده أوكل له شؤون الأسرة، إضافة الى ملازمته الراحل آية الله السيد ماجد العوامي، وهو ما حال دون إتمامه دراسته الفقهية، ولذا تصدى للشأن العام، وكان أحد الوجوه الاجتماعية البارزة في القطيف، ومقصداً يأتي الناس إلى المجلس الذي كان يشرف عليه، والمعروف بـ"حسينية العوامي".

السيد حسن العوامي، الخالُ الثاني، درس نزراً من العلوم الدينية عندما كان في العراق، في مدينة النجف، إلا أنه لم يكمل، وتفرغ للمحاماة، والعمل السياسي والثقافي العام في المنطقة الشرقية، كما الكتابة والتأليف، وكان احدى الشخصيات الرئيسة الفاعلة في الوفود التي تلتقي ملوك المملكة وأمراءها وكبار المسؤولين.

الأخ الثالث، السيد علي العوامي، صاحب كتاب "الحركة الوطنية السعودية"، كان واحداً من رموز العمل الوطني، إبان عهد الراحلين الملك سعود بن عبد العزيز والملك فيصل بن عبد العزيز، ومن المنخرطين في الكتابة ذات الطابع الإصلاحي والتجديدي والعمل السياسي؛ وهو الآخر درسَ لفترة العلوم الدينية، إلا أنه لم يكمل دراسته الفقهية، بسبب نزعته التحررية، وقربه من "الحركة العمالية"، وهو ما أثار غضب والده حينها، بسبب تعارض الأفكار بينهما.

المفارقة، أن السيد باقر العوامي، الذي كان رجل دين محافظاً، له نظرته الخاصة التقليدية للحياة، جاءت سلالته لتقدم نموذجاً فريداً في تجاربها المختلفة، وتنوعها الفكري والاجتماعي والمذهبي وحتى العرقي والديني!
في الوقت الذي رفض فيه الجدُ أن تدخل والدتي المدارس النظامية؛ بعدها بسنوات، إثنتان من حفيداته، كانتا من أوائل النساء السعوديات في شركة "أرامكو"، وهما: فاطمة حسن العوامي، وآمال علي العوامي.
الحفيدات الأخريات للجد الراحل، درسن في عدد من أهم الصروح العلمية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية ولبنان والخليج.. وسواها من الدول، في مجالات مختلفة: الإدارة، الطب، الكيمياء، التسويق، العلوم الطبية.. وغيرها، ويعملن في عدد من المؤسسات داخل المملكة وخارجها.
أكثر من ذلك، الحفيدات بينهن من تزوج غير سعوديين، من دول مثل: الكويت، البحرين، المكسيك، الولايات المتحدة!

أبو منير، الخالُ المحبُ للأسفار، ومن تميز بالكرم والعاطفة الجياشة، الراحل السيد حسين العوامي، الذي دائماً ما أحبُ أن أسميه "الأمم المتحدة"، نظراً للتنوع الكبير في أسرته، وحده.
السيد حسين، تزوج من سعوديتين، وعراقية؛ وانتقل من القطيف، وسكن مدينة الدمام، ولديه إبن مقيم في الولايات المتحدة متزوج من إميركية، وآخر مقيم في بريطانيا ومتزوج من أوكرانية، وإثنان تزوجا من الأحساء، وإبنة تزوجت مصرياً وإبنة ثانية تزوجت لبنانياً!
هذا المزيج الفريد لدى عائلة السيد حسين باقر، نجدُ نموذجاً مقارباً له لدى عائلة الخال السيد محمد، فأحد أبنائه تزوج من سيدة يابانية، وآخر تزوج من سيدة إيرانية - اميركية، وثالث تزوج من سيدة عراقية!

هنالك أيضاً من أحفاد الجد السيد باقر، من تزوج من المغرب وبريطانيا وألمانيا والعراق... مزيجٌ من أعراق وأديان ومذاهب وسحنات متنوعة، كانت نتيجته مزيداً من التنوع الثقافي داخل العائلة الكبرى، والكثير من الاحترام بين أفرادها، وقبول الآخر المختلف، ونبذ التعصب الأعمى.

في الكثير من المناسبات الدينية والاجتماعية، عندما أزور منازل بعض الأخوال، تجد الرجال والنساء يجلسون مع بعضهم بعضاً بشكل طبيعي، من دون قلق أو توجس... هنالك المحجبة، والآخرى التي لا تلبس أي حجاب، والأمهات اللواتي يقضين وقتاً طويلاً في الصلاة والدعاء والعبادة، إلا أنهن في الوقت ذاته يحترمن بناتهتن ولا يفرضن عليهن لبس الحجاب من عدمه، ولا يرغمن أبناءهن على منهجهن، لإيمانهن بأن السلوك يجب أن يتأتى نتيجة قناعة تنبع من الداخل ولا تفرض من الخارج.

بالتأكيد تدور النقاشات التي قد تحتدّ أو تخفت، وهنالك فروفات نتيجة اختلاف الأجيال والقناعات وطرائق التفكير، إلا أن كل ذلك في إطار إدارة التنوع والاحترام المتبادل، والأهم التشجيع المستمر نحو التطور، والفخر بما يتم تحقيقه وإنجازه.

لا أنسى ليالي القدر الأثيرة، كل عام في شهر رمضان، وهي التي كنت آتي من دبي لأجل إحيائها، لا في أحد مساجد السعودية، وإنما في بيت خالي الراحل السيد حسن العوامي، رفقة إبنه السيد زكي ود. عبد العزيز الجامع، وبقية أفراد العائلة رجالاً ونساءً، في أجواء روحية وأسرية، تستشعر صدقها وحميميتها.

القرب العائلي ذاته تلمسه في تجمعات أسرة الخال السيد علي، فهنالك المزيد من الليبرالية الاجتماعية والاحترام الكبير، ومنسوب من الصراحة والنكات والنقاش الديني والسياسي المفتوح على الرأي والرأي المضاد، إلا أن الأحاديث لا تزيد المجتمعين إلا ضحكات تتناثر وتعانق السماء!

هنا العائلة تتحول إلى حضن حقيقي لأفرادها، وتساعدهم على التقدم والعلم والمغامرة والتجريب من دون قلق من الخطأ؛ ولذا، كان العديد من أحفاد الجد السيد باقر، يسيحون في الآفاق، ولم يكتفوا بالدراسة في دول متفرقة، بل العديد منهم يقيمون خارج المملكة، في: الإمارات، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، النمسا، البحرين، كندا... وربما دولٌ أخرى لا علم لي بها.

"هذه انعكاسات لملكات عقلية فكرية وتربوية، مكنت من الاختيار والتفكير والجرأة من قبل الأولاد، وبشكل أقوى من خلال دعم الآباء، ولذا نما وتطور معه وبسببه السلوك عبر السنين"، هكذا يفسر د. ماجد العوامي التطورات التي حصلت في عائلة جده، وهو أحد الأسماء الرئيسة التي شكلت عنصر إلهام للعديد من أفراد الجيل الثالث من العائلة، ودفعتهم للمنافسة وتحديداً في حقل الطب، وكان من أوائل السعوديين الذين ابتعثتهم الدولة لدراسة الطب في مدينة "شيراز" في إيران، ليواصل تالياً دراساته العُليا في الولايات المتحدة.

من الصعب أن يكتب الإنسان عن عائلته، لأنه ببساطة قد يُتهم بالعاطفة والانحياز أو المبالغة، إلا أن أهمية هذه التجربة أنها تعطي مثالاً عن أسرة سعودية واحدة، بالتأكيد هنالك عشراتُ العائلات مثلها في مختلف مناطق المملكة، ممن لديها تجاربها الخاصة، وتريد العيش بسلام وحرية، من دون وصايات فكرية من أحد باسم الدين أو العادات والتقاليد، لأنها معنية بالاشتغال على تطوير قدراتها، وبالتالي تحول الجيل الجديد إلى عناصر فاعلة في المجتمع تساهم بشكل أساسي في تنميته وتطوره، وترسيخ السعودية دولة مدنية متحضرة وقوية، يسودها التعدد واحترام الآخر، وتترسخ فيها قيم الحداثة، بعيداً من التعصب والانغلاق والتفكير الأقلوي الضيق.

النهار

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟