يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13
تجفيف الليرات لكبح الدولار: عمليّة مكلفة وعديمة الجدوى

Tuesday, January 24, 2023 9:57:43 PM

خلال الأيّام الأولى من السنة الحاليّة، كان مصرف لبنان يتوسّع في عمليّة امتصاص السيولة بالعملة المحليّة من السوق، عبر بيع دولارات الاحتياطي من خلال المنصّة، مقابل شراء الليرات الورقيّة. هذه العمليّة، اندرجت ضمن السياسة التي ينتهجها مصرف لبنان مؤخرًا، والقاضية بتجفيف الليرات في السوق المحليّة، أي تخفيض قيمة السيولة المتداولة بأدوات مختلفة، ومنها بيع الدولارات عبر المنصّة (راجع المدن). مع الإشارة إلى أنّ مصرف لبنان يحاول اعتماد أدوات أخرى لتجفيف الليرات، ومنها فرض تقاضي جزء من الضرائب والرسوم بالليرات الورقيّة.
في جميع الحالات، مع صدور ميزانيّة المصرف المركزي في منتصف هذا الشهر، تبيّنت أخيرًا الكلفة الباهظة التي حملتها هذه العمليّات خلال أوّل أسبوعين من هذه السنة، وتحديدًا على مستوى استنزاف احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبيّة. في الوقت نفسه، ومع عودة سعر صرف الدولار للارتفاع بسرعة خلال النصف الثاني من هذا الشهر، ظهر انعدام جدوى هذه العمليّات. إذ سرعان ما عادت قيمة الليرة في السوق الموازية للهبوط بشكل سريع بمجرّد توقّف ضخ الدولارات عبر المنصّة، رغم حجم الليرات الكبير الذي امتصّه مصرف لبنان في بداية الشهر.

استنزاف الدولارات مقابل امتصاص الليرات
وفقًا للميزانيّة النصف الشهريّة التي نشرها مصرف لبنان في منتصف الشهر الحالي، أنفق مصرف لبنان من احتياطاته أكثر من 166 مليون دولار خلال أوّل أسبوعين من هذه السنة. ومن المعلوم أن عدد أيام العمل خلال هذه الفترة لم يتجاوز الثمانية أيّام، ما يعني أن مصرف لبنان كان يتكبّد خسارة تقدّر بنحو 20 مليون دولار كمعدّل يومي في ذلك الوقت. وفي النتيجة، انخفضت قيمة الاحتياطات المتبقية في المصرف المركزي من 10.18 مليار دولار في بداية العام الحالي، إلى نحو 10.02 مليار دولار في منتصف هذا الشهر. ومن الواضح أن كل هذه التطوّرات ترتبط بعمليّات بيع الدولارات عبر المنصّة، التي أعلن عنها مصرف لبنان في أواخر العام الماضي، والتي استمرّ بتنفيذها خلال بدايات هذه السنة.
في مقابل بيع الدولارات على هذا النحو، تشير أرقام الميزانيّة إلى أنّ مصرف لبنان امتصّ من السيولة المتداولة بالعملة المحليّة نحو 13 ألف مليار ليرة لبنانيّة. وفي النتيجة، انخفض حجم الليرات الورقيّة المتداولة في السوق من 80.17 ألف مليار ليرة، إلى نحو 67.16 ألف مليار ليرة، أي أن حجم هذه الليرات انخفض بنسبة 16.22% خلال فترة لم تتجاوز الأسبوعين. مع الإشارة إلى أنّ هذه النسبة تمثّل أقصى وتيرة انخفاض نصف أسبوعي في حجم الليرات النقديّة المتداولة في السوق، منذ بداية الأزمة قبل ثلاث سنوات.
في جميع الحالات، من المهم الإشارة إلى أنّ حجم ودائع القطاع المالي (أي المصارف التجاريّة والاستثماريّة وسائر المؤسسات الماليّة) لدى مصرف لبنان ارتفع خلال أوّل أسبوعين من السنة بنحو خمسة مليارات دولار، من دون أن يتضح السبب الفعلي لهذه الزيادة. كما سجّلت قيمة بند الذهب في الميزانيّة ارتفاعًا سريعًا بنحو 914 مليون دولار، نتيجة ارتفاع أسعار الذهب في السوق العالميّة.
وأخيرًا، عكست الميزانيّة انخفاضًا في حجم بند الموجودات الأخرى، الذي يمثّل خسائر المصرف المركزي المتراكمة، بنحو 4.2 ألف مليار ليرة لبنانيّة. ومن الواضح أن هذا الانخفاض المحدود في حجم الخسائر ناتج عن الربح الذي يقيّده مصرف لبنان في ميزانيّته، جرّاء بيع الدولارات المسجّلة في بند الاحتياطات بسعر الصرف الرسمي القديم، وفقًا لسعر الصرف الفعلي في السوق. فبمجرّد بيع الدولارات بأضعاف قيمتها المسجّلة كموجودات في الميزانيّة بالليرة، ينتج عن العمليّة هامش ربح، بما يسمح للمصرف المركزي بشطب جزء صغير من الخسائر السابقة المتراكمة.

إشكاليّة انعدام الجدوى
ساهم ضخ الدولارات خلال فترة معيّنة بإبطاء وتيرة قيمة الليرة في السوق الموازية، لكن كما هو معلوم اضطرّ مصرف لبنان في مرحلة لاحقة إلى لجم عمليّات المنصّة، والعودة لتقنين الدولارات التي يقوم بضخّها (راجع المدن). وبمجرّد توقّف عمليّات ضخ الدولار، عاد سعر صرف الدولار في السوق الموازية للارتفاع بشكل كبير، ليصل إلى حدود 54100 ليرة للدولار اليوم، مقابل 42600 ليرة للدولار في بداية العام. بمعنى أوضح، باتت قيمة الدولار في السوق الموازية تزيد بنحو 27% مقارنة بقيمته في نهاية العام الماضي، قبل أقل من شهر واحد.
بصورة أوضح، ورغم إنفاق كميّة ضخمة من الدولارات خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين لتخفيض الكتلة النقديّة بنحو 16.22%، كانت السوق الموازية مهيّئة للعودة إلى تسجيل ارتفاعات قياسيّة في سعر صرف الدولار، في اللحظة التي توقّف فيها ضخ الدولار من قبل مصرف لبنان. وفي النتيجة، لم يكسب المصرف المركزي من عمليّات تجفيف الليرة أي جدوى تُذكر على المدى المتوسّط أو البعيد. ولهذا السبب بالتحديد، كل ما يقوم به المصرف المركزي في الوقت الحالي، من عمليات تجفيف لليرة عبر آليّات تحصيل الضرائب وغيرها، قد لا يقدّم أو يؤخّر كثيرًا على مستوى سعر الصرف، خصوصًا إذا قام مصرف لبنان –بشكل موازٍ- بالاستمرار بشراء الدولارات عبر الصيارفة من السوق.
المدن

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

راجي السعد ينعي فؤاد السعد

مقتل شقيقتين بانقلاب سيارة في صيدا!

بالفيديو- اسرائيل تستهدف سيارة في الجنوب صباحًا

للمرّة الأولى… الرّواتب في شهر الاعياد تتأخر

خشية في بيروت من “الطابور الخامس”

لا إرادة دولية لوقف الحرب.. ولبنان مكشوف

مخاطر المقامرة جنوبًا قبل آب المقبل

فضيحة الأجهزة المخترقة تخترق التهويل بحرب!