يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13

قمّة جدّه ومسار العرب الجديد

Monday, May 22, 2023 10:18:49 AM

بقلم علي شندب- اللواء

بكثير من الإنسيابية والسلاسة والهدوء وقبلاً دقّة التنظيم، انعُقدت القمة العربية بمدينة جدّه السعودية، التي بُنيت مداميكها على جهود وتحضيرات معلنة وسرية استغرقت عدّة سنوات، لتكون القمة الأقصر زمناً، والأكثر دسماً.
فقد شكّل الإبتزاز الأمريكي المُهين للقيادة السعودية تارة بملف جمال خاشقجي وقانون جاستا، وغالباً بملف حمايتها من إيران، فواعل أساسية لإنتاج سياسة عربية جديدة. هو ابتزاز أمريكي ببصمات إسرائيلية دائماً، خصوصاً بعد اتفاقات ابراهام مؤخراً، كان يعدّ العدّة للهجوم على إيران الشيعية بأجنحة عربية سنّيّة. فكان الإنقلاب السعودي على الابتزاز المزدوج عبر الإتفاق السعودي الإيراني في بكين.
بدون شك سرّعت الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا، من وتيرة إرساء مداميك جديدة لسياسة عربية جادة. وبدون شكّ أيضاً فقد فعلت القوة الإقتصادية الطاقوية السعودية فعلها في منظومة أوبك+ التي كان لقرارتها في تخيض الإنتاج تأثيراً بليغاً في الأسواق الأميركية، التي أخذت بورصاتها تهتز، ومصارفها تتعثّر، بدليل انهماك ادارة بايدن في محاولة معالجة مسألة التضخم المالي غير المسبوق.
قمّة جدّه إذن، نتاج تحولّات عميقة حدثت وتحدث إقليمياً ودولياً. لكنّها هذه المرّة ليست مجرّد ردّ فعل فقط. بل نتاج فعل، انطلق سهمه الأول من قمّة العُلا الخليجية المصرية في 7 كانون الثاني 2021، والتي كتبنا يومها بأنّها أبعد من المصالحة بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين مع قطر.
تركياً، لقيت قمّة العُلا بداية تحوّل إيجابي في موقف أنقره انتهى بمصالحات مع السعودية والإمارات ومصر، وبتسليم الرئيس التركي رجب طيّب اردوغان لملف جمال خاشجقي للقضاء السعودي، ثم استُتبع بزيارات متبادلة بينه وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لتُفتح صفحة جديدة في العلاقات البينية، عزّزتها استثمارات خليجية مليارية في تركيا، ورسّختها المساعدة الخليجية والعربية في كارثة الزلزال الذي ضربها وسوريا.
أمّا ايران، فقد قاربت قمة العُلا يومها بموقف متشدّد، الى أن انطلق قطار الحوار السعودي الإيراني في بغداد، ليتوّج أعماله باتفاق تاريخي في محطة بكين. تاريخي، لأنّه ومن لحظة توقيعه لم نعُد نسمع شيئاً لا عن البوارج والمقاتلات الأميركية ولا عن الجاهزية الإسرائيلية التي تخلّلها مناورة مشتركة في النقب تحاكي قصفاً للمفاعلات النووية، تمهيداً لتنفيذ الضربة الوشيكة ضد ايران، وللمناسبة فقد سُحب ملف إيران النووي من التداول ولو مؤقتاً.
الصورة باتت أوضح. قمّة العُلا، أرست المداميك الأولى للمسار العربي الجديد الذي أنتج مصالحة مع تركيا الأردوغانية، وإتفاقاً مع إيران الخامنائية، وقبل أن تصل قاطرته الى جدّه، كانت الخطوة التاريخية في المصالحة مع سوريا واستئناف دورها في الجامعة العربية ومؤسّساتها المختلفة، بعد تعليق مشبوه لعضويتها خلافاً لميثاق الجامعة ومنذ عام 2011. تعليق عضوية سوريا في الجامعة كان عاصفاً ومدوياً. فالأمر ليس تدبير إداري. إنّه قرار سياسي خطير لعبت فيه قطر دوراً مركزياً جعلت من الجامعة زمن عمرو موسى وخلفه نبيل العربي، ألعوبة حوّلت ليبيا التي لم تزل تسبح بدمها الى أشلاء قبل سوريا، وشرعتهما نتيجة زواج الرهط بين الإدارة الديمقراطية الأوبامية وبين حركات الاسلام السياسي وخنجرهم الإخوان.
دويّ استئناف سوريا لدورها في الجامعة العربية، كان بحجم دويّ تعليق عضويتها، سيما بعد ترحيب رسمي كبير من قادة القمة بنظيرهم بشّار الأسد الذي كان نجم القمّة ما قبل الأول. ترحيب، لن يمحو كلام رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم "لقد تهاوشنا على الطريدة.. وفلتت منّا الطريدة". إذن، بمنطق الطرائد كانت تسوس الجامعة دولها، ولهذا كان بشّار الأسد بليغاً في إشارته لالتقاط العرب للفرصة، واشتراطه إعادة النظر بميثاق الجامعة وإصلاح مؤسّساتها التي تمنعها من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
ولأن مصائب العرب متناسلة، وهناك من هو دائم التربّص بهم. وقبل أن يشرعوا في تضميد جراح سوريا، ومقاربة ملف إعادة إعمارها وإطلاق مشروعات التنمية فيها، وإعادة اللاجئين الى قراهم ومدنهم وأرزاقهم وفق حلّ سياسي ينطلق من التحوّلات العميقة في سوريا والإقليم معاً. ها هو السودان الذي انقسم على اثنين منذ أكثر من عقد برعاية الجامعة وحضورها ينفجر من جديد.
إنفجار السودان الحالي، هو الأخطر في تاريخه الذي لم يعرف استدامة الاستقرار منذ استقلاله حتى اليوم. إنفجار بين أذرع المؤسّسات العسكرية الرسمية. فالدعم السريع مثل الجيش السوداني من الناحية القانونية، ولو أن الجيش السوداني يمتاز معنويّاً بأقدميّة التأسيس. حرب السودان الحالية ليست بين البرهان وحميدتي. ولو أنهما يشكلان الواجهة الرمزية لتاريخية الأزمة العميقة التي تعصف بالسودان وترتكز على حكم وتحكم أقليّة عددية وقبليّة وجغرافيّة، بأكثريّة عددية وقبليّة وجغرافيّة منذ الاستقلال عن الانكليز حتى اليوم. ومن هذه الزاوية العميقة ينبغي للمعالجات الدقيقة أن تقارب مصيبة السودان وليس أعراضها، وذلك قبل أن تشرع المقصّات الأمريكية والغربية في تنفيذ خرائطها التقسيمية المرسومة مسبقاً موضع التنفيذ، إذا ما اقتضت المصلحة الاستراتيجية الأمريكية ذلك، أو تحويله الى دولة ما بعد فاشلة تشكّل تهديداً حقيقياً لجواره الإفريقي والآسيوي وخصوصاً في حوض البحر الأحمر، اذا ما اقتضت المصلحة الأمريكية أيضاً ذلك، وهذا ما أبدت قمّة جدّه قلقها العميق منه.
قمّة جدّه أيضاً، هي قمّة المصالحات والتفاهمات وإرساء المناخات الجديدة في لحظة مكثّفة بالمتغيرات الجيوستراتيجية. وهي قمّة مواجهة التهديدات المحدّقة والمحقّقة ضد العرب المهدّدين بما بعد الإنقراض، إلا اذا تكمنوا من إيلاء قضيّة فلسطين الاهتمام الفعلي الذي عكسه البيان الختامي واستمد زخمه بشكل أساسي من موقف الجزائر التاريخي ورئيسها عبدالمجيد تبّون، وايضاً من المطالعة الصاروخية للرئيس التونسي قيس سعيّد، بخلاف تأتأة محمود عباس الذي لم يرتق لمستوى شهداء ملحمة غزّة الأخيرة. والتاريخ يشهد بأن قضية فلسطين رغم الافتئات عليها والتجاهل الدولي لهت، لم تزل الأكثر حضوراً وسطوعاً في وجدان شعوب العالم أجمع، كما أنها لم تزل تشكل برميل البارود وفتيل التوترات والحروب التي ستشعل المنطقة اذا لم يتم وضع حدّ للإحتلال الإسرائيلي.
أمّا لبنان، فقد نجح فاسدوه في إنشأ طبقة سياسية طويلة، لا تمتهن سوى التسوّل والاستجداء من أرصفة الدول وفتات موائدها، وفشلوا بل وحالوا دون إنشاء دولة تحظى باحترام شعبها قبل الآخرين.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟

خاص- بالأرقام.. كم بلغ عدد الصواريخ التي تم إطلاقها من لبنان نحو إسرائيل

خاص- حماس تعلّمت من حزب الله.. كيف؟

خاص- بشأن الهجوم على حزب الله.. هذا ما كشفه استطلاع

خاص- المرضى الفلسطينيون يموتون في لبنان

خاص- هل عارض السيد نصرالله مطالب إيران؟

بالأرقام: ماذا أوضح الجيش الإسرائيلي عن هجماته على الحزب؟