خاص اللبنانية

لم يبق إلا "الأمن والعسكر" في منأى عن الخلافات والانقسامات، ولكن كثير من الأوساط الرسمية والسياسية والشعبية يخشى أن يأتي دور المؤسسات الأمنية والعسكرية لتكتمل حلقات سقوط الدولة بكل مؤسساتها، خصوصًا بعدما حل بالقضاء من انقسام على يد المنظومة السياسية الفاسدة التي تريد على ما يبدو تعطيل كل مؤسسات البلاد لضمان استمرارها في الإمساك بالسلطة وحماية وجودها المهدد بالزوال.
فخلافُا لكل ما يقال ويشاع، بات هناك اقتناع راسخ داخليًا على مستوى المعارضة والناس، وخارجيًا على مستوى العواصم العربية والغربية الفاعلة خصوصًا والمجتمع الدولي عمومًا، مفاده أن لا قيامة للبنان إلا بزوال المنظومة الفاسدة لأنه يستحيل إعادة البناء والنهوض به في وجودها.

وتقول أوساط المعارضة لموقعنا "اللبنانية" أن زيارة الوفود القضائية الأوروبية الأخيرة للبنان والتي ستليها زيارات قريبًا، تدل بما لا يقبل الشك إلى أن القرار الدولي بإنهاء المنظومة الفاسدة قد اتخذ وأن المسألة باتت مسألة وقت، وأن كشف الفضائح التي ارتكبتها ولا تزال سترتكبها هذه المنظومة سيكون أقصر الطريق وأسرعها إلى تخليص البلاد من شرورها.
وترى هذه الأوساط أن انشطار القضاء وبمقدار خطورته على مستقبل البلاد وعلى كشف الحقيقة في قضية انفجار مرفأ بيروت، فإنه ينذر بأن المنظومة الفاسدة التي تديره قد أفلست ودخلت في الطور الأخير من السقوط، إذ لا دولة تستمر في العالم ما لم يحكمها قضاء فاعل وعادل منزّه عن السياسة والتسييس. وعلى هذا يمكن القول إن هذه المنظومة تكابر وتهرب إلى الأمام الآن، فيما هي تلفظ أنفاسها الأخيرة ولذلك تخوض معركتها على أنها معركة وجود تراه مهدد بالزوال.
ولأجل ذلك، أخذ رئيس حزب الحوار الوطني النائب فؤاد مخزومي وبقية نواب المعارضة والتغيير المبادرة ونفذوا إنزالًا سياسيًا ـ قضائيًا سريعًا في العدلية هادفين إلى إعادة تصويب الأمور في الاتجاه الذي يعيد للقضاء هيبته وفعاليته ويعيد قضية انفجار المرفأ إلى الجادة التي يسير عليها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار صاحب الصلاحية الأولى في هذه القضية، والذي تعرض لهجوم مضاد غير قانوني على يد المدعي العام التمييزي غسان عويدات الذي لا صلاحية له في هذه القضية المُنحى عنها في الأساس، لوجود قرابة بينه وبين أحد المدعى عليهم فيها وزير الاشغال والنقل السابق غازي زعيتر زوج شقيقته.

فما وجده مخزومي وبقية النواب في ما حصل يوم "الأربعاء الأسود" كما سموه، كان "إنقلابًا مُدمّرًا بدأ باغتيال العدالة في مقتلة بيروت التاريخية بقرارات ووسائل فاقدة للشرعية سُريالية في وجه العدالة والحق" ورفضوا "أي مساومة على دم أبرياء 4 آب".
كذلك وجدوا أن هدف هذا الانقلاب هو" تكريس سطوة نظام بوليسي مقيت" وقرروا "مواجهته بشتّى السبل الدستورية والقانونية السلمية المتاحة"، رافضين "أي مساس بصلاحيات المحقق العدلي لجهة إشراك أي قاض رديف بملف عكف على إعداده قاضٍ لا يزال معيّنًا أصولًا للتحقيق فيه"، ومطالببين "بمتابعة التحقيق من النقطة التي وصل إليها والإسراع في إصدار القرار الاتهامي وإحالته إلى المجلس العدلي"، داعمين مجلس نقابة المحامين في بيروت ونادي قضاة لبنان في "مطالبتهما بالمحاسبة الفورية لمدعي عام التمييز بسبب ما قام به من مخالفات فاضحة وتدخل مباشر في ملف لدى المحقق العدلي وإخلاء سبيل موقوفين من دون صلاحية".

وإذ يدرك مخزومي وزملاؤه النواب "مخاطر شغور سدة رئاسة الجمهورية، والإنهيار الدراماتيكي القاتل للوضع الإقتصادي والإجتماعي والإنساني، المترافق مع الإنقلاب القضائي الحاصل"، فإنهم يتجهون على ما يبدو إلى مزيد من الخطوات التصعيدية لفرض مزيد من الضغوط والحصار على المنظومة التي باتت مأزومة وخاشية على المصير، كذلك يتجهون إلى مزيد من الضغوط لتأمين انتخاب رئيس جمهورية جديد استنادًا إلى أحكام الدستور، لا سيما المواد 49 و74 و75 منه، التي تفرض على المجلس عند خلو سدة الرئاسة أن يصبح المجلس النيابي هيئة إنتخابية ملتئمة بشكلٍ دائم من أجل إنتخاب رئيس للجمهورية، بدورات متتالية بشكلٍ متواصل ومن دون إنقطاع حتى تحقيق هذه الغاية".
ولم تستبعد مصادر المعارضة أن يتم تفعيل وتطوير وتصعيد اعتصام نواب المعارضة القائم منذ الأسبوع الماضي في قاعة جلسات المجلس النيابي من أجل فرض انعقاد جلسات انتخاب مفتوحة لا تنتهي إلا بانتخاب رئيس.