يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

الظرف الأقتصادي المبرر للصرف من العمل

Monday, January 30, 2023 7:48:02 AM



دراسة واعداد المحامي الياس سليم طعمه



دفعت الأزمة الأقتصادية الحادة التي يشهدها لبنان أقله منذ ثلاث سنوات وأنقلاب الأمور رأس على عقب نتيجة تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي ، بالأضافة الى حادثة أنفجار مرفأ بيروت وغيرها من العوامل السياسية والأجتماعية التي أرخت بثقلها على الوضع العام كحالة الأنقسام السياسي وتعطيل المرافق العامة من اعتكاف القضاة وموظفي الادارات العامة ، وعدم أنتخاب رئيس للجمهورية والنزوح السوري والهجرة والبطالة وغيرها ، مما فرض حالة من التقشف لا مثيل لها لدى الافراد والمؤسسات التجارية والأقتصادية أرغمت معها هذه الأخيرة الى اعادة النظر بحجم مستخدميها وتسريح كل عمالها أو غالبيتهم بصورة جماعية والتي بلغ عددهم بالآلاف .

ويعتبر هذا الموضوع من المواضيع التي نظمتها التشريعات الحديثة بغية اجراء توازن بين مصلحة المؤسسة الأقتصادية وتمكينها من الأستمرار في سوق العمل والمنافسة ، وبين مصلحة الأجراء الأقتصادية والأجتماعية في استمرار تأمين مصدر رزقهم .



تنبّه المشرّع اللبناني لهذه المسألة عندما قام في 6 شباط من العام 1975 بتعديل المادة 50 من قانون العمل اللبناني موجدا"ما يسمى بالصرف الأقتصادي أو الفني في القانون اللبناني وواضعا" أحكاما" خاصة له لم تكن موجودة قبل ، فقد نصت الفقرتين (و) و (ز) منها على ما يلي :

" و- يجوز لصاحب العمل إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنية هذا الإنهاء، كتقليص حجم المؤسسة أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقف نهائياً عن العمل.

وعلى صاحب العمل أن يبلغ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، وعليه أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء تراعى معه أقدمية العمال في المؤسسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي وأخيراً الوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم.



ز- يتمتع العمال المصروفون من الخدمة تطبيقاً للفقرة السابقة ولمدة سنة تبدأ من تاريخ تركهم العمل بحق أولوية (أفضلية) في العودة إلى العمل في المؤسسة التي صرفوا منها إذا عاد العمل فيها إلى طبيعته وأمكن استخدامهم في الأعمال المستحدثة فيها. "



يتضح جليا" من الفقرتين المذكورتين الدور الكبير لوزارة العمل في الرقابة وحسن تطبيق عملية التسريح وانهاء عقد العمل ، بحيث يعتبر صرف الأجراء لسبب أقتصادي صرف مشروع لا يوجب تعويض الصرف التعسفي .

وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن اقدام رب العمل على صرف الأجير لأسباب اقتصادية من دون ابلاغ واستشارة وزارة العمل يؤدي الى اتسام الصرف بالتعسف لعدم احترام الاصول الشكلية الالزامية المنصوص عليها في المادة 50 عمل، بحيث قضي :

" حيث ثبت من معطيات الملف المسندة الى الانذار الذي وجهته المميزة الى المميز ضده، والى ادلاءات المميزة في لوائحها ان سبب صرفها لهذا الأخير يُعزى الى الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي لحقت بالمميزة.

حيث انه بموجب المادة 50 بند «و» عمل يجوز لرب العمل صرف اجيره لاسباب اقتصادية شرط احترام الاصول الشكلية التي وضعتها هذه المادة في بندها «و» المذكور لجهة ابلاغ وزارة العمل برغبته في انهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذه، ومن ثم التشاور معها لوضع برنامح نهائي لذلك الانهاء.

حيث انه، نظراً لأن ادلاء المميزة بابلاغ وزارة العمل برغبتها في انهاء عقد المميز ضده قبل شهر من تنفيذه بقي مجرداً من أي اثبات، بالاضافة الى اعترافها بعدم التشاور مع هذه الوزارة حول برنامج نهائي لهذا الانهاء رغم ادلائها بصرف أربعة أجراء عام 2000، وثلاثة عام 2001، يقتضي اعتبار الصرف تعسفياً لعدم احترام الاصول الشكلية الالزامية التي وضعتها المادة 50 بند «و» فيردّ السبب التمييزي الأول ويبرم القرار المطعون فيه لهذه الجهة. "

محكمة التمييز ـ الثامنة ـ تاريخ 25/4/2006.

الرئيس ارليت طويل والمستشاران برنار شويري ورضا خوري.

قضايـا العمـل والضمان الاجتماعي - عمل وضمان اجتماعي - أحكام متفرقة - المصنف في القضايا المدنية 2006 - 318





لكن السؤال المطروح ما هو الظرف الأقتصادي المبرر للصرف ؟ ومتى بأستطاعة رب العمل التمسّك به ، وكيف يتم تحديده وتمييزه عن الصرف التعسفي أو غير المشروع ؟



بالأستناد الى القواعد العامة يكون الظرف الأقتصادي غير مشروع وينطوي على صرف تعسفي عندما يكون السبب غير مقبول ، فالفقرة (د) من المادة 50 عمل حددت الحالات التي يعتبر معها الصرف تعسفيا" .



من هنا يعتبر الظرف الأقتصادي مقبولا" وبالتالي مبررا" للصرف من العمل عندما يكون حقيقيا" من جهة وجديا" من جهة ثانية ويعود للقضاء وحده سلطة تحديد ما اذا كان الظرف الأقتصادي حقيقيا" بالأستناد الى وقائع مادية محددة ودوافع وعوامل نفسية باعثة اليه ، والا خلاف ذلك يكون الظرف غير حقيقي بحيث يكون الدافع مخادعا" ومقنّعا" نتيجة اسباب شخصية ، أو تكون الأسباب المثارة غير ثابتة وغير موجودة.

على أن يكون للأجير الحق بالمنازعة في صحة الظرف الأقتصادي المذكور في كتاب الصرف وعليه ممارسة دوره الدفاعي في نفي وجود وصحة هذا الظرف .



هكذا نخلص الى أن تحديد الظرف الأقتصادي الحقيقي يتم بالنظر الى الظرف الموجود والمذكور في كتاب الصرف المتطابق مع الباعث الحقيقي للصرف من قبل رب العمل ن فأن مثل هذا الظرف يعتبر فقط ظرفا" أقتصاديا" يمكن الركون اليه كمبرر للصرف متى كان جديا" حقيقيا" وثابتا" ، وفي هذا المجال قضت محكمة التمييز المدنية :



" ان سبب الصرف الواجب اقامة البينة عليه هو ذلك المحدد في كتاب صرف الأجير دون سبب آخر قد يثيره رب العمل اثناء السير بالمحاكمة تبريرا" لهذا الصرف ."



محكمة التمييز المدنية - الغرفة الثامنة - قرار رقم 83 تاريخ 2006\6\27 – منشور في مجلة العدل 2002 – صفحة 339.



أنطلاقا" من كل ما تقدم ذكره آنفا" تلعب وزارة العمل في المرحلة الأولى ، والقضاء في مرحلة ثانية دورا" بارزا" في كشف أي تحايل على القانون والتمييز بين الظرف الأقتصادي الجدي المبرر للصرف بحكمة وروية ودراسة لقطع الطريق على ارباب العمل من التلويح بالظروف الأقتصادية للتهرّب من الصرف التعسفي الذي سيزداد مع التسريح الجماعي ، بحيث يتنبّه القاضي وهو الحكم الأخير في هذه القضية الى مدى اتسام الظرف الأقتصادي المصرّح عنه بجانب من الخطورة يجعل من المستحيل متابعة العمل في المؤسسة دون الأضرار بها ، ويجعل من الصرف ضرورة حقيقية لا بد منها وهي غير مختلقة أو مصطنعة من قبل رب العمل ،



وفي هذا الأطار جاء الأجتهاد ليؤكد ذلك اذ قضي :

"وحيث أن السبب المبرر للصرف ينبغي أن يكون جديا أي على شيء من الخطورة تجعل من غير الممكن متابعة عمل الأجير في المؤسسة دون ضرر يلحق بها ، أي ان يكون له تأثير على سير العمل في المؤسسة .

وحيث الى جانب كون أن مصلحة المؤسسة وحسن سيرها أمران أساسيان على الصعيد الأقتصادي ، فان فقدان الأجير لعمله والاساءة الى حقه في العمل أمر أساسي على الصعيد الأجتماعي ، ويجب ايجاد التوازن بين الوضعين "



لكن كيف يستثبت القاضي من وجود فعليا" ظرف أقتصادي جدّي مبرر للصرف ؟



ان مفهوم الظرف الأقتصادي متغير ومتنوع فقد يتمثل بالحالة التي نعايشها من عدم استقرار في العمل التجاري نتيجة الارتفاع الدائم لسعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية والأنخفاض الحاد في الطلب على بعض السلع والخدمات التي تقدمها بعض المؤسسات ، وأرتفاع أثمان المواد الأولية بشكل جنوني أو الأجور وكلفة اليد العاملة مما تنعكس هذه الظروف على نتائج المؤسسة أنخفاضا" كبيرا" في رقم أعمالها قد تؤدي الى افلاسها أو وقف نشاطها لأستحالة أو صعوبة مواجهتها، بحيث يمكن تلخيص شروط الظرف الأقتصادي بـ:

وجود صعوبات تعاني منها المؤسسة : بحيث أن تلك الصعوبات خطيرة لدرجة امكانية افلاس المؤسسة أو وقف نشاطها في حال لم تواجهها .
استمرارية تلك الصعوبات لفترة زمنية : بحيث أنها ليست عابرة أو عارضة وليست ظرفية وأدت الى خيارة المؤسسة على مدى أقله ثلاث سنوات ، من هنا تطلب وزارة العمل ميزانيات المؤسسة عن ثلاث سنوات للتثبت من حقيقة الظرف الأقتصادي.
عدم وجود خطأ لرب العمل في وجود تلك الصعوبات: بحيث لا يمكن ان تكون تلك الصعوبات مسببة قصدا"من قبل رب العمل أو ناشئة عن خطئه أو تجاوزه لحد السلطة أو أفراطه في الادارة وتبديده لأموالها أو خداعه .


ختاما" لا بد من التمييز بين الظرف الأقتصادي المبرر للصرف وبين القوة القاهرة ، بحيث أنهما يختلفان عن بعضهما البعض ولا يمكن اعتبار القوة القاهرة مماثلة للظرف الأقتصادي المبرر لصرف العمال والأجراء .

فالقوة القاهرة هي حدث خارجي غير متوقع لا يمكن تجنبه يجعل من تنفيذ عقد العمل مستحيلا" ، وهي تؤدي الى فسخ عقد العمل بغير مسؤولية على صاحب العمل وبدون التزام بمراعاة مهلة الانذار.

أما الصعوبات الأقتصادية وأن كانت من الممكن أن تكون حدثا" خارجيا" الا أنها متوقعة بأعتبارها داخلة ضمن المخاطر الطبيعية للمشروع التي يتحملها رب العمل ، ثم أنها لا تؤدي كالقوة القاهرة الى استحالة مطلقة في التنفيذ أنما تؤدي الى جعل التنفيذ مكلفا" وباهظا" يرهق المؤسسة ورب العمل ، وهي لا تؤدي الى فسخ عقد العمل حكما" ، أنما بأرادة رب العمل المنفردة .



المراجع :

مفهوم الظرف الأقتصادي المبرر للصرف وفق الفقرة واو من المادة 50 عمل – الدكتور أحمد برجاوي – مجلة العدل سنة 2005 العدد 4 – صفحة 424 وما يليها.
سلطة رب العمل داخل المؤسسة -اطروحة الدكتور حاتم ماضي- مكتبة الجامعة اللبنانية - صفحة 145 وما يليها.
حسن عبدالرحمن القدوس- انهاء علاقات العمل لأسباب أقتصادية – صفحة 151.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟