يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13

ثلاثة عوامل ضاغطة تلهب سعر صرف الدولار

Friday, January 27, 2023 9:08:53 AM

لم يتغيّر شيء في معادلات الأزمة النقديّة القائمة منذ ثلاث سنوات، بما يسمح بضبط الانهيارات المتواصلة والمتتالية في قيمة الليرة اللبنانيّة في السوق الموازية. وحتّى اللحظة، يبدو أن المصرف المركزي قد استنفد جميع أدوات التدخّل، بما فيها البيانات المفاجئة، التي فقدت مصداقيّتها تدريجيًّا. كما أحرق مصرف لبنان ورقة ضخ الدولار التي لعبها في مراحل عديدة، والتي تحوّلت إلى استنزاف مجاني للاحتياطات، من دون أن تؤدّي أي دور على مستوى ضبط سعر صرف الدولار على المدى البعيد. باختصار، ما يجري ليس سوى تتمّة للمسار نفسه الذي ألفه اللبنانيون جيّدًا منذ 2019، والذي باتت أزمة العملة المحليّة فيه أحد أوجه الانهيار المتعدد الأبعاد.

لكن خلال الشهر الراهن، يبدو أنّ هناك ثلاثة عوامل استثنائيّة دخلت على الخط، لتسرّع من وتيرة هبوط قيمة الليرة اللبنانيّة على نحو استثنائي، ولترتفع قيمة الدولار في السوق الموازية من 42 ألف ليرة في بداية الشهر، إلى 61,500 ليرة مساء اليوم الخميس.

المصارف وتحسين وضعيّة مراكز القطع السلبيّة
ابتداءً من مطلع الشهر المقبل، يفترض أن يتم الانتقال إلى اعتماد سعر صرف 15 ألف ليرة للدولار الواحد كسعر صرف رسمي، بدل سعر الصرف الرسمي القديم المحدد عند مستوى 1500 ليرة للدولار. وبالنسبة إلى المصارف اللبنانيّة، سيعني هذا القرار الانتقال إلى التصريح عن الميزانيّات وفقًا لسعر الصرف الجديد، الذي يوازي عشرة أضعاف سعر الصرف القديم المنخفض. وكما هو معلوم، ستكون النتيجة الأولى عندها تآكل قيمة جزء من الرساميل المصرفيّة، المسجّلة بالليرة اللبنانيّة، مقابل قيمة الإلتزمات والأصول الأخرى المقوّمة بالدولار الأميركي.

في الوقت نفسه، ستملك معظم المصارف إشكاليّة أخرى، ترتبط بما يُعرف بمراكز القطع السلبيّة، والمتمثّلة بالفارق بين قيمة الإلتزامات المتوجّبة عليها بالعملات الأجنبيّة، وما تملكه من أصول بهذه العملات. مع الإشارة إلى أنّ مراكز القطع السلبيّة هذه لا علاقة لها بكتلة خسائر مصرف لبنان، التي طالت الأموال التي وظفتها المصارف لدى المصرف المركزي، إذ ما زالت المصارف تسجّل قيمة توظيفاتها لدى المصرف المركزي بالدولار كأصول سليمة.

في جميع الحالات، بمجرّد اعتماد سعر الصرف الرسمي الجديد، ستنكشف قيمة مراكز القطع السلبيّة بشكل أكبر، بعد تسجيل الإلتزامات والموجودات المدولرة بسعر الصرف المرتفع. ولهذا السبب، أصدر مصرف لبنان منذ نحو أسبوعين القرار الوسيط رقم 13528، الذي فرض على المصارف تصفية (أي معالجة) مراكز القطع السلبيّة على نحوٍ متدرّج، على مدى خمسة أعوام من الآن، بمهلة تنتهي 2027.


في الوقت الراهن، تسعى المصارف اللبنانيّة، وخصوصًا تلك التي تعاني من مراكز قطع سلبيّة كبيرة، إلى معالجة هذه الفجوة في ميزانيّاتها، عبر محاولة امتصاص الدولارات من السوق الموازية بشكل مباشر، قبل أن تدخل في مرحلة المعالجة المتدرّجة لهذه الفجوة. ومع اقتراب لحظة اعتماد سعر الصرف الرسمي الجديد في مطلع شباط، كانت المصارف تزداد شراهة لتحصيل الدولارات، وهو ما ساهم في زيادة الضغط على سعر صرف الدولار في السوق الموازية.

مصرف لبنان يريد تعويض خسائره
خلال النصف الأوّل من هذا الشهر، أنفق مصرف لبنان ما يقارب 166 مليون دولار من احتياطاته، من خلال عمليّات ضخ الدولار التي قام بها بها عبر المنصّة، منذ أواخر العام الماضي (راجع المدن). وفي النتيجة، تراجع حجم احتياطات المصرف المركزي ليلامس حدود 10 مليارات دولار في منتصف الشهر الحالي، بعد أن شهدت الاحتياطات بعض الارتفاع خلال الأشهر الماضية، من خلال شراء المصرف المركزي للدولارات من السوق.

في الوقت الراهن، يسعى مصرف لبنان لتعويض الخسائر التي ألمّت بميزانيّته في الفترة الماضية، من خلال العودة إلى السوق ومحاولة امتصاص كميّات كافية من للدولارات، لتعويم حجم الاحتياطات المتوفّرة لديه من جديد. وهذا المسعى، يرتبط بحاجة المصرف إلى العملة الصعبة، لتمويل اعتمادات شراء الفيول المخصصة لمؤسسة كهرباء، والاستمرار بتأمين بعض السحوبات النقديّة بالدولار، وفقًا لمندرجات التعميم 158.

مع الإشارة إلى أنّ الوكلاء الذي يعملون لحساب مصرف لبنان، من أجل شراء الدولارات من السوق، ساهموا في رفع سعر الصرف الدولار بشكل كبير خلال الأيام الماضية، من خلال عرض أسعار أعلى من أسعار الصرف الرائجة عند إتمام العمليّات، لضمان امتصاص الدولارات لحسابهم (راجع المدن). وفي جميع الحالات، ساهمت "طحشة" مصرف لبنان الأخيرة في السوق الموازية في الضغط على موازين العرض والطلب القائمة، وتقليص حجم المعروض النقدي من العملة الصعبة بشكل كبير في الأسواق.

"سيتكس" مستمرّة بشراء الدولارات
تشير المصادر المتابعة لمداولات السوق الموازية إلى أنّ شركة "سيتكس" المملوكة من قبل "الخبير الاقتصادي" حسن مقلّد، والتي تم إدراجها مؤخرًا على لوائح العقوبات الأميركيّة، زادت من طلبها على الدولارات النقديّة بشكل كبير، في السوق الموازية خلال اليومين الماضيين. مع الإشارة إلى أنّ الشركة كانت تعمل –قبل فرض العقوبات عليها- على خط جمع الدولارات لمصلحة المصرف المركزي، مقابل عمولات كبيرة، قبل أن تضع العقوبات حدًا لهذه العلاقة الملتبسة (راجع المدن).

ومن المرجّح أن تكون الشركة "مكشوفة" في الوقت الراهن على مراكز قطع سلبيّة، نتيجة عملها السابق مع مصرف لبنان في السوق الموازية، وهو ما تحاول الشركة تعويضه من خلال تداولاتها الأخيرة. وقد يكون نشاط الشركة هذا مجرّد استكمال لعمليّات مضاربة سريعة، تستفيد من موجة صعود الدولار، أو جمعاً للدولارات لحساب المصرف المركزي بشكل غير مباشر عبر وسطاء. لكن الأكيد هو أن الشركة استمرّت بنشاطها المعهود خلال اليومين الماضيين، والذي قاربت حصّته حدود ثلث الدولارات التي يتم جمعها عبر شركات الصيرفة الكبرى.

في جميع الحالات، تبقى هذه التطوّرات الثلاثة مجرّد عوامل إضافيّة سرّعت من وتيرة وحجم قفزات الدولار في السوق الموازية. إلا أن العامل الأساسي الذي يقود أزمة سعر صرف الليرة على المدى المتوسّط، يبقى حتّى اللحظة تفلّت الانهيار الاقتصادي من أي خطّة أو رؤية اقتصاديّة متكاملة، تكفل المعالجة المتدرّجة لأزمات خسائر القطاع المالي وتعثّر الدولة، بالإضافة إلى أزمة تعدد وتفلّت سعر الصرف. وحتّى البدء بتطبيق خطّة من هذا النوع، لا يمكن التفاؤل بأي معالجة أو إجراء.

علي نور الدين - المدن

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

حركة الأسواق التجارية خجولة!

ارتفاع سعر الذهب بشكل جنوني!

لماذا تتعمّد شركة توتال تأخير تقرير الحفر بالبلوك 9؟

"الزومبي»:شبح سلبي يعبرعن واقع المصارف في لبنان

بالتعاون مع وزارة الاتصالات اختتام النسخة السابعة من مسابقة هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات في لبنان

"مشروع وطن الإنسان" احذروا إحياء الشوائب..

بروتوكول تعاون بين جمعية بيروت بخير وجامعة بيروت العربية لتوفير الخدمات الصحية للمرضى المحتاجين

جمعية تجار صيدا أعلنت فتح الأسواق ليلا بدءا من الإثنين وحتى ليلة عيد الفطر