دراسة واعداد المحامي الياس سليم طعمه


ينص قانون اصول المحاكمات الجزائية بالقسم السادس المخصص لقضاء الحكم وفي الباب الأول منه المحدد للقاضي المنفرد الجزائي وفي الفصل الأول الذي حدد كيفية وضع القاضي المنفرد يده على الدعوى وفي المادة 161 حرفيا" أنه :

" اذا وقعت جنحة اثناء جلسة المحاكمة لدى القاضي المنفرد، فينظم محضراً في الحال يستجوب فيه الفاعل ويستمع إلى الشهود، إذا اقتضى الأمر، ويقضي في الجلسة عينها بالعقوبة التي تستوجبها الجنحة. إذا قضى بعقوبة الحبس فله أن يصدر مذكرة بتوقيف المحكوم عليه تنفذ فوراً. يقبل قراره الاستئناف.

إذا كان الفعل المرتكب أثناء المحاكمة ذا وصف جنائي فيتخذ قراراً بتوقيف الفاعل وينظم تقريراً بما حدث ويحيله إلى النيابة العامة مذيلاً بالإشارة إلى توقيف الفاعل."



لكن السؤال المطروح هل ينطبق نص المادة 161 المذكورة بدقائقها على المحامي اذا كان هو من أقترف الجنحة المشهودة أثناء أنعقاد جلسة محاكمة لدى القاضي المنفرد الجزائي ؟



ان المشترع في جرائم الجلسات أجاز للقاضي المنفرد الجزائي بما له من سلطة ادارة الجلسات تنظيم محضر في الحال وأستجواب الشخص مرتكب الجنحة ، وهنا المحامي أيضا" دون ابلاغ النقيب على أعتبار أننا أمام جنحة مشهودة ، لكن المفارقة التي يقتضي التنبّه اليها خلافا" لنص المادة 161 أ.م.ج الذي ينطبق أحكامه على الأشخاص العاديين ، ولا يطال بصورة مباشرة المحامين ، لأن المحامي يتمتع بحصانة مكرسة بقانون خاص لتنظيم المهنة تحظّر ملاحقته لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها الا بقرار صادر عن مجلس النقابة ، وحتى القرار الصادر قابل للأستئناف امام محكمة الأستئناف المدنية ، من هنا يتضح جليا" بأنه لا يجوز ملاحقة المحامي في هذا المجال اذ يقتضي احترام الفقرة (2) من المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم8\1970 التي تفرض الأستحصال على اذن مسبق من نقابة المحامين ، والتي نصت على :

" باستثناء حالة الجرم المشهود، لا يستجوب محام عن جريمة منسوبة إليه قبل ابلاغ الامر لنقيب المحامين الذي يحق له حضور الاستجواب بنفسه أو بواسطة من ينتدبه من اعضاء مجلس النقابة.

- لا يجوز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها إلا بقرار من مجلس النقابة بإذن بالملاحقة ومجلس النقابة يقدر ما إذا كان الفعل ناشئا عن المهنة أو بمعرضها.

- يجب اصدار القرار بالاذن بالملاحقة أو رفضه خلال شهر من تاريخ ابلاغ النقيب وقوع الفعل بكتاب خطي، فإذا انقضت مهلة الشهر ولم يصدر القرار يعتبر الاذن واقعا ضمنا.

تقبل قرارات مجلس النقابة وقرارات لجنة ادارة صندوق التقاعد الطعن امام محكمة الاستئناف بمهلة عشرة ايام تلي التبليغ، على أن ينضم الى الهيئة الحاكمة عضوان من مجلس النقابة يختارهما المجلس المذكور من بين اعضائه.

تختار لجنة ادارة صندوق التقاعد هذين العضوين من اعضائها عندما يكون الامر مختصا بهذا الصندوق."



مما يعني ان الجنحة المشهودة التي تجيز استجواب المحامي دون حضور أو اذن نقيب المحامين امام القاضي المنفرد الجزائي ، لا تتيح ملاحقة هذا المحامي الا وفقا" للأصول المنصوص عنها في الفقرة (2) من المادة 79 المذكورة آنفا" ، وعليه يتعيّن على القاضي المنفرد الجزائي بعد استجواب المحامي أن يحيل الأوراق والتحقيق الى جانب النيابة العامة لأتخاذ الأجراء المناسب في القضية ، بحيث اذا أقتنعت بوجوب ملاحقة المحامي ، أحالت الأوراق الى جانب مجلس نقابة المحامين بهدف الأستحصال على أذن بالملاحقة.

أما الحكم الذي يلاحق المحامي ويقضي بعقوبة ضده خلافا" لهذه المبادئ وتخطيا" لها يكون مستوجبا" الفسخ لمخالفته الفقرة (2) من المادة 79 تنظيم مهنة المحاماة لأن شرط الملاحقة متوقف على الأستحصال على اذن " مسبق " بالملاحقة من قبل مجلس النقابة الذي يعود له منفردا" وحصريا" صلاحية القول بأن الجرم المشهود حصل بسبب فعل نشأ عن ممارسة المهنة أو في معرضها ، ولا اجتهاد في معرض النص الواضح والصريح المكرّس بقانون خاص لتنظيم مهنة المحاماة ، ولمخالفته مفهوم ومدلول المادة 161 من قانون اصول المحاكمات الجزائية والتي وأن أجازت للقاضي المنفرد الجزائي أن يلاحق فاعل جريمة مشهودة وقعت أثناء جلسة المحاكمة وأن يستجوبه في الحال وينظم محضرا" بذلك ويحرك دعوى الحق العام وأن يصدر حكمه في الجلسة عينها بعد الأستماع الى الشهود وينزل العقوبة التي يفرضها النص القانوني ، لكن هذه القاعدة بالنسبة للمحامي تصطدم بأحكام المادة 79 تنظيم مهنة والحظر والحصانة الممنوحتين للمحامي والتي تشكلان حماية عامة للمحامي دون تحديد نوع الدعوى أو طبيعتها .

المراجع :

اصول المحاكمات الجزائية بين النص والفقه والجتهاد ، الجزء السادس ، الياس بو عيد . شرح المادة 161.
جرائم الجلسات ، القاضي ايلي جبران منشورة في مجلة العدل 2009 .
المحامي حقوقه واجباته وأتعابه حصانته وضماناته ، الياس بو عيد صفحة 230.