يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19
الدولة المخطوفة

Friday, January 6, 2023 11:48:20 AM


بقلم عارف العبد-المدن

في كتابه المعنون الدولة المُستضعفة يعرض الزميل عبد الستار اللاز الذي خسرناه باكراً، يعرض لتفاصيل تجربة حكومة الرئيس تمام سلام في نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان. وهي تجربة الحكومة الثانية في ظل العمل باتفاق الطائف التي تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، بعد خلو منصبه لعدم التمكن من انتخاب خلف له في الموعد الدستوري، المحدد وفق نص المادة 62 من الدستور. فقد سبق هذه التجربة تجربة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تولت السلطة التنفيذية ما بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، الذي كان غادر أيضاً من دون أن يسلم منصبه إلى رئيس جديد خلفاً له.

في وقائع التجربة المعروضة تفاصيلها في الكتاب، يظهر بوضوح ومن دون لبس، أن لبنان في ما يتعلق بتطبيق الدستور من هذه الناحية، أي ناحية خلو سدة الرئاسة، هو إزاء حالة مرضية عونية وليس أمام حالة سياسية أو وجهة نظر دستورية.

حكومة الرئيس تمام سلام كانت في لحظة انتهاء ولاية ميشال سليمان حكومة مكتملة النصاب عدة وعدداً، وبالتالي لا شائبة أو شبهة دستورية في تسلمها مهام رئيس الجمهورية وكالة.

الفرق بين التجربة السابقة والتجربة الحالية التي تمر بها البلاد الآن، أن حكومة سلام كانت حكومة طبيعية. وقد وقع الشغور الرئاسي وهي في حالة اكتمال مواصفات دستورية من مختلف النواحي. أما التجربة الراهنة فإن الذي يميزها هو أن الشغور وقع في ظل حكومة مستقيلة تقوم بتصريف الأعمال، وهذا ما فتح الباب أمام الجدل الدستوري الذي اندلع وما يزال حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في ظل خلو منصب رئيس الجمهورية، وهل لها الحق بتعبئة الفراغ الواقع في السلطة وتسيير أعمال ومؤسسات الدولة أو لا يحق لها ذلك.

المفارقة المدهشة في الحالة الراهنة، أن الملاحظات والمواقف العونية الاعتراضية الحالية على حكومة ميقاتي، هي نفسها المواقف والاعتراضات التي سبق أن أُثيرت في وجه حكومة سلام المكتملة المواصفات.

الاعتراض الأول الذي أثير في وجه الرئيس تمام سلام يومها، كان عدم جواز أن تقدم الحكومة على الاجتماع نهائياً في ظل الشغور الرئاسي، من دون التوقف أمام نص وأحكام الدستور، انطلاقاً من مقولات أطلقت ونظرية قيلت يومها وأطلقها المرشد العام الجنرال ميشال عون، وهي لماذا وكيف يحكمون في ظل غياب رئيس الجمهورية؟

حركة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تركزت يومها على محاولة إقناع الوزراء المسيحيين في رفض مبدأ اجتماع الحكومة في ظل غياب رئيس الجمهورية!

الخلفية المطلبية السياسية التي وقفت وراء هذا المطلب كانت، تجميد أي أمر في البلاد بانتظار انتخاب عون رئيساً للجهورية. طبعاً، كان هذا بالاستناد إلى الحماية والتغطية السياسية التي كان أمّنها التحالف مع حزب الله بمسيراته الفضائية وصواريخه الأرضية.

لم يتوقف تمام سلام يومها أمام هذا التهويل والتشبيح الدستوري والسياسي، ومضى إلى تحريك عجلات اجتماع الحكومة والدولة بالحد الأدنى لتسيير أمور المؤسسات المتهالكة. فكان أن تحولت اجتماعات الحكومة إلى منتدى للنقاشات والمحاججات والخطابات النظرية والسياسية المفتوحة والجوفاء.

بعد مطلب تجميد عمل الحكومة "السلامية" بانتظار انتخاب عون، انتقل الفريق العوني إلى مطلب آخر، وهو تعيين شامل روكز قائداً للجيش أو شلّ عمل الحكومة.

وهكذا من مطلب إلى آخر أمضى تمام سلام والبلاد معه ومؤسسات الدولة باقي أيام تجربته، في ظل مماحكات ونقاشات واعتراضات ومقاطع تمثيلية تلفزيونية، عمادها نحن نمثل رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين المهدورة، أوصلت الأمر إلى حدود أن جلسة واحدة لمجلس الوزراء كانت في بعض الأحيان تستغرق يوماً كاملاً من دون التوصل إلى نتيجة مفيدة أو قرار ينفع جموع المواطنين والناس العاديين.

أثيرت في هذه التجربة المضنية كل أنواع المزايدات الطائفية والشعبوية، التي تثير وتدعي المطالبة بالحقوق المسلوبة وصولاً إلى جعل الحكومة تسير متثاقلة وسط ألغام متعددة ومماحكات مسهبة، عطلت أي إمكانية لسير ماكينة الدولة والحكم أو للوصول إلى مقررات فعالة تخفف من ثقل الأزمات المتراكمة.

المواقف والاعتراضات والمشاحنات العونية التي أثيرت سابقاً أيام حكومة سلام المكتملة المواصفات، هي نفسها التي تثار اليوم في وجه حكومة نجيب ميقاتي المصرِّفة للأعمال، فيما الفرق شاسع بين الوضعيتين الحكوميتين السابقة والراهنة.

في التجربة السابقة، انطلق سلام كما أعلن مراراً في رئاسة مجلس الوزراء مستنداً على أحكام الدستور الواضحة. وفي التجربة الراهنة يمارس ميقاتي مهامه وفقاً لمواد الدستور ولمبدأ حتمية وأولوية تسيير أعمال المرفق العام، إضافة إلى الاجتهاد والعرف الدستوري الثابت في الاحتكام إلى مصالح الشعب الملحة، باعتباره حسب الدستور مصدر السلطات.

تجربة حكومة سلام مع الجائحة العونية الرافضة والمعرقلة أية خطوة، أفضت إلى نتيجتين أو قناعتين راسختين ومتلازمتين لدى سلام وميقاتي.

الأولى، أن تمام سلام وقبل أن يشهر قراره باعتزال العمل السياسي، كان قرر عدم تولي منصب رئاسة الحكومة في ظل رئاسة ميشال عون وهيمنة صهره على مقدرات الجمهورية، بالرغم من عرض الموقع عليه أكثر من مرة من قبل كثر.
والثانية، أن نجيب ميقاتي اقتنع بضرورة وفكرة أن لا طائل أو إفادة من التجاوب مع مطالب التيار العوني في أية حكومة جديدة، وخصوصاً بعد أن تأكد من خلو سدة الرئاسة، آخذاً بالاعتبار تجربة حكومة تمام سلام المضنية وتجربة مرارة سعد الحريري في العلاقة مع الحالة العونية المستعصية على المعالجة أو الشفاء. وذلك عملاً بالمثل العامي القائل: "إذا ما متت، ما شفت غيرك كيف مات؟".

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟