يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13

خاص - بين مي الريحاني ومي زيادة.. ممر الياسمين

Monday, September 26, 2022 7:02:33 AM


 

بقلم شهير ادريس
خاص اللبنانية

على بعد 17 دقيقة من إنطلياس تقع بلدة الفريكة المتنية حيث منزل الكاتب اللبناني المعروف أمين الريحاني، هناك تستقبلك شجرة البيغونفيليا الممتدة على طول السور الخارجي والتي تتضوع رائحتها وألوانها على طول الطريق، وتلك البوابة السوداء التي تفصلك عن أول خطوة على الدرج الحجري حيث مر الريحاني والكثير من أدباء وشعراء عصره، ومع كل دعسة  بإتجاه المنزل والمتحف الخاص بالريحاني تقرأ مفردات وحكم كتبها لتكون عبرة لمن يقرأها في كل زمان ومكان.
وعند المدخل الرئيسي يستقبلك أمين الريحاني إبن الشقيق الذي حافظ وما زال كما والده ألبرت على إرث عمه الأدبي والثقافي والفكري. ثم تصافحك سيدة طالما آمنت أن للشهرة يوماً وأن للحزن يوماً والباقي للبنان كما قال الريحاني في هتافه للأودية. وهي التي تقول: "أشعر أن أمين الريحاني موجود وطيفه دائم الحضور في بيتنا في الفريكة".
سيدة لبقة ومحترمة ومثقفة من الطراز الرفيع رشحت نفسها لرئاسة جمهورية لبنان، لإيمانها أنها قد تستطيع تغيير الصورة النمطية السائدة في السياسة والحكم. هي مي ألبرت الريحاني إبنة أخ أمين الريحاني والتي سماها والدها على إسم جارته وصديقة الريحاني وصديقة جبران خليل جبران الأديبة والشاعرة مي زيادة... وعند ذكر هذا الإسم تشير مي الريحاني من الشرفة وبشغف إلى منزل مي زيادة والذي يفصل بينه وبين بيت عمها ممر طويل تعلوه شجيرات الياسمين، حيث يتضوع العطر مع كل نسمة ويعبق التاريخ والصلاة وروح الحب ونور الحكمة ومعنى الصداقة. 
بين مي ومي خطوط ومسافات وأفكار وجوانب مشتركة على رغم  فوارق الزمان، ولا يسعك إلا المقارنة بينهما بعد الجلوس معها وسماع قصصها وسردها الذي يأخذك الى عوالم مختلفة ثقافياً وفكرياً وسياسياً وحضارياً، وتنقلك في طريقة الحوار مع محدثها الى أفكارها الثابتة والمتقدمة، كما كان أسلوب مي زيادة سهلاً في طرح الرّسائل وواضحاً ودقيقاً في إختيار العبارات والمفردات لما تملكه من اللغات والثقافات المختلفة.
تملكن مواصفات ثقافية وتعليمية متشابهة وتلتقين في مسألة الغربة والإبتعاد عن الوطن الحلم، وفي دراسة اللغات وتأليف الكتب والحضور الآسر، وإستحضار الوجدانيات والمحاكاة السهلة الممتنعة والتطرق بقوة في المحاضرات الى المواضيع الحساسة، وعندما تسمع قصة مي الريحاني مع طالبان وكيف أقنعتهم وحيدة بضرورة تعليم الفتيات في أفغانستان يصح فيها قول العقاد عن مي زيادة "ووُهِبتْ ما هو أدلّ على القدرة من ملكة الحديث، وهي ملكة التّوجيه، وإدارة الحديث بين مجلس المختلفين في الرأي والمزاج والثّقافة والمقال".
ويكمن التلاقي بين مي زيادة ومي الريحاني أيضاً في الابتعاد عن المُحاكاة والتّقليد وفي الكتابة والشعر، إذ منحت "جائزة جولييت هوليستر" لسنة 2012 للتفاهم بين القيم الدينية في قطاعات التربية والعلوم والإعلام والفنون والبيئة والعدالة الاجتماعية. وكانت قد فازت عام 2002 بجائزة سعيد عقل الثامنة عشرة بعد المئة على مجموعة "كلمات ملكات" صدرت لها في الولايات المتحدة.
وتتقاربان الى حدود كبيرة في النشاط المتقدم بالعمل الإجتماعي والتنموي والنسوي، وكانت قضايا المرأة ودورها وتمكينها وتعليمها وكيفية الدفاع عن حقوقها والإيمان بقضاياها المحقة وفي كيفية إمتلاكها لحريتها، من أبرز ما حاربت مي زيادة من أجله، فخاطبتها في إحدى رسائلها بزرع الآمال في نفسها، وتجديد الرّوح والنّفس، بالإضافة إلى تشجيعها إلى السّعي والعمل للوصول إلى الغايات الضّائعة.
وها هي مي الريحاني تحقق المطلوب بفضل إيمانها بأن للمرأة مكانة في المجتمع تصبو من خلالها الى العمل من أجل الإصلاح المجتمعي. ويظهر ذلك من خلال دفاعها عن المرأة وحقها في التعلم والوصول الى المعرفة والمشاركة بجرأة في القرار السياسي من أجل إنقاذ لبنان.
أما الذي يجمعهما لجهة القلب والروح فهو الكاتب والأديب جبران خليل جبران، فبين مي زيادة وجبران تآلف روحي حقيقيّ إذ كان كلّ واحد منهما روحاً للآخر بأحلامهما وأفكارهما، إذ تناول جبران خطاباته ورسائل حبّه للأديبة مي زيادة ضمن كتاب أسماه "الشُّعلة الزّرقاء"، وكان يحمل 37 رسالة متنوّعة في مُفرداتها وكلماتها، والتي جاءت معبرة عن أدب مي وجبران النّادريْن. فيما تدير مي الريحاني " كرسي جبران للقيم والسلام" في جامعة ميريلاند الأميركية  وهي مؤتمنة على حفظ إرثه وفكره وأدبه العالمي، وقد فازت عام 2008 بـ "جائزة جبران العالَمية"، التي يمنحها برنامج جبران خليل جبران للقِيَم والسَّلام لدى "مركز الدراسات التراثية" في الجامعة.
تكرر دوماً أنها تعلمت من أمين الريحاني أبو الأدب الأميركي العربي حب الحضارات، وأن السفر هو جامعة تعلمنا تاريخ البلدان والشعوب والحضارات المختلفة وإحترام كل حضارة على حدة. وتقول: "أشعر أنني أمثل أمين الريحاني كما أمثل جبران خليل جبران أيضا، فهذا الربط بين الاثنين أساسي لأنهما كانا الأساس في ولادة الرابطة القلمية في نيويورك".  
وكما آمنت مي زيادة بأن اللغة سبب بقاء الأمم وإحياء الحضارات وكما كسرت جدار الصمت بينها وبين الأستاذ أمين الريحاني كما كانت تسميه. تريد مي الريحاني كسر العوائق اللبنانية من خلال ترشحها، وجاءت لتعبر عن إرادة الاغتراب اللبناني وحقه المباشر في المشاركة بالحياة السياسية، وتكريس الإنفتاح والحوار مع الآخر والذي إكتسبته من الولايات المتحدة ودول العالم من خلال عملها الدؤوب وشجاعتها وإقدامها علها تحقق أحلامها بإستعادة مجد لبنان.
الكلام عن مي ومي لا ينتهي هو كشريط وثائقي يعكس الكثير من التلاقي حول لبنان الحر المستقل والمزدهر والمتقدم بإستمرار، وحول الإنسان والكلمة والثقافة والأدب والتاريخ والتراث والإبداع والسير بخطى واثقة نحو تحقيق الأحلام والعيش بحرية وكرامة. وكما قال عمها أمين الريحاني في الكتاب الذي يتصدر منزل الفريكة (المدينة العظمى تنتصر فيها الحقيقة وتسود فيها الحرية).ض

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- لماذا ينتخب الثنائي مرشّح باسيل؟

خاص- احتفالات أحد الشعانين عمت لبنان.. ماذا عن أسعار الشموع والملابس؟

خاص- هل ضغط "التيار" أدى إلى تراجع الحكومة؟

خاص- أدوية خطيرة تغزو السوق.. انتبهوا!

الخازن لـ"اللبنانية": النافعة بجونية ستفتح بوقت قريب

خاص- حرب الجنوب.. مخاطر تداعيات لا يمكن التنبّؤ بها

خاص - اقترب الحل... وينتظر اختيار رئيس الحكومة

خاص- إسرائيل مستعدة لحرب الأثمان الباهظة