يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

الحل بإعادة الودائع من خارج لبنان؟

Sunday, September 18, 2022 10:40:35 AM


بقلم فيوليت غزال البلعة_العربية

لم يمر عادياً يوم الجمعة، نهاية الأسبوع، على مصارف لبنان. إذ وفي ما يشبه العمليات المنظمة، على الأرض وعبر سيل من الشائعات، تعرض بعض الفروع وفي عدد من المناطق، لـ"اقتحامات" سلمية من مودعين لا يزالوا يأملون في الحصول على قسم من مدخرات ائتمنوا عليها قطاعا مصرفيا يوم كان لؤلؤة الصناعة المصرفية في العالم العربي.

لم تكن مشاهد النقل المباشر التي قامت بها معظم المحطات التلفزيونية اللبنانية، خالية من تساؤلات أثارها المواطنون الذين تابعوا وقائع عمليات الاقتحام، بحيث توزعت بين تأييد واستنكار لاستهداف "أبرياء" (موظفو المصارف) وأسرهم لقاء تحرير قسم من ودائع مأسورة منذ تشرين 2019، يوم اندلعت الأزمة المالية والنقدية، ولم تصدر من حينه أي خطط ورؤى حكومية استراتيجية، يمكن للمودعين الركون إليها و"العض على الجرح" إلى حين إعادتها ولو مرحليا، بدءا من سقف زمني معين.

مادة اعلانية

جمعية المصارف بادرت إلى رفع خطواتها الخاطئة مرة جديدة. فقرار الإقفال لثلاثة أيام، لن يمهد لأي حلحلة على صعيد تهدئة نفوس المواطنين العاجزين عن تسيير شؤون أعمالهم وحياتهم المعيشية وتأمين كلفة استشفائهم أو طبابتهم. أما السلطة السياسية فبقيت منغمسة في نشوة التناكف المفتوح السقوف على طاولة نقاش مشروع موازنة 2022 في مجلس النواب، من باب الاصطفافات التي أفرزتها انتخابات أيار الماضي، جلاء لصورة البرلمان الجديد عشية استحقاق انتخابات الرئاسة اللبنانية. وكانت يتيمة بين التحركات العملانية، دعوة وزير الداخلية بسام مولوي إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الداخلي المركزي، بعد ظهر يوم الجمعة تحت عنوان "البحث في الإجراءات الأمنية التي يمكن اتخاذها في ضوء الأحداث المستجدة على المصارف".

فهل يكفي هذا لوقف كرة ثلج يقال إنها ستكبر تدريجيا، طالما بقيت آذان السلطة السياسية صماء حيال معاناة المودعين والمواطنين؟ ومن يكفل عدم دخول بعض المنتفعين تحت تسميات جمعيات المودعين أو لجان استرداد الودائع وسواها للعبث بالوضع الأمني الذي بات هشا بعد وقوعه تحت ضغط الصدمات السلبية للواقع الاجتماعي والمعيشي؟

كثيرة هي الحلول التي طرحت على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، سواء من الطبقة السياسية أو من جانب خبراء اقتصاد ومال، أو حتى من بعض قياديي المجتمع المدني، لمخارج قد يكون بعضها قابلا للتنفيذ إن أرفق بآليات تنفيذية مبرمجة، فيما بعضها الآخر لا يصلح إلا لحملات التجييش التي تقوم على خلفيات متعددة الأوجه.

في الأيام الثلاثة الأولى من الأسبوع، سيصاب الاقتصاد اللبناني بمزيد من الشلل في غياب العمل المصرفي. وستتأثر منصة "صيرفة" مع توقف إحدى حلقات التعامل اليومي، بما ينذر بمزيد من ارتفاعات للدولار الأميركي حيال الليرة، والتي يخشى أن تتخطى بانهيارها حاجز الـ40 ألف ليرة للدولار الواحد. لكن، ما الذي تتوقعه المصارف اللبنانية عند معاودة أعمالها الخميس المقبل؟ وهل يكون يوما عاديا؟.

لا شك في أن الدوران في الحلقة المقفلة لن يصب في مصلحة أي أحد، لا السلطة السياسية، ولا المصارف او المودعين. فالودائع غير متوافرة بحجمها الإجمالي المطلوب دفعة واحدة لدى اي مصرف. الاموال تبخرت بعدما بددت او حولت الى الخارج. ولا أمل بإعادة تكوين الودائع الضائعة طالما بقيت الحكومات في لبنان عاجزة عن وضع خطط تعاف واسعة الافق استراتيجيا، وجدية الى درجة ترتقي لتلاقي متطلبات صندوق النقد، بما يكفل عودة لبنان الى الاسواق الدولية وليس فقط الحصول على برنامج الـ3 مليارات الانقاذي، رغم انه الخطوة الاولى على طريق الإصلاح الطويلة...

حتى اليوم، لا أمل للمودعين بانهم سيستردون يوما ما مدخرات أودعوها يوم كان يومهم أبيض، بغية استخدامها في يوم أسود كالذي يعيشوه اليوم. فلا المصارف دأبت على مخاطبة مودعيها يوم اندلعت ازمة السيولة في الربع الاخير من العام 2019. بل بادرت الى الاقفال لـ15 يوما بعد اشهر من تفجر الثورة الشعبية، وها هي اليوم تعاود ارتكاب الخطأ عينه. ومعلوم ان اخطاءها تراكمت على مدى تطبيقها لتعاميم مصرف لبنان التنظيمية، لتحل بالاستنسابية بعض ملفات "محظيين" سواء أكانوا سياسيين ام من الازلام والتابعين والمصرفيين...

اما الحكومات، بدءا من حكومة حسان دياب وصولا الى حكومة نجيب ميقاتي، فكانت البدع هي العنوان العلاجي الوحيد الذي يخلص الى تسكير الفجوة المالية بشطب نحو 60 الى 70 مليار دولار من اموال المودعين، لتعفي الدولة اللبنانية من انفاق اهدرته بين الفساد والافساد، اذ يكفي القول ان قطاع الكهرباء استنزف الخزينة باكثر من 45 مليار دولار على مدى عقد كامل، والنتيجة اليوم "صفر كهرباء" مع انذار بوقف لمعملي الطاقة في الجية والزهراني انذارا بدخول لبنان في العتمة الشاملة. اما القسم المتبقي من الودائع، فاستخدمته الحكومات عبر الزام مصرف لبنان باعتماد سياسات دعم فاشلة استفاد منها التجار والمهربون، وفي سياسات دعم سعر صرف الليرة للحد من انهياراتها الدراماتيكية المتلاحقة التي شارفت نسبة 95 في المئة.

وليس مجلس النواب بريئا من دم الودائع المتبخرة، اذ عجز وبسحر ساحر، عن اقرار اي من مشاريع القوانين الاصلاحية، وفي مقدمها قانون "الكابيتال كونترول" الذي كان من شأنه ضبط حركة التحويل المالية التي لا تمنع القوانين اللبنانية حصولها. كذلك، لم يجد قانون السرية المصرفية طريقه الى الاقرار، حتى بعد موافقة رئيس الجمهورية، وعودته عن قراره وتاليا امتناعه عن التوقيع "لمزيد من الدرس". هذه القوانين تضاف الى مشروع قانون موازنة 2022 واصلاح قطاع الطاقة من باب تعيين الهيئة الناظمة ورفع تعرفة الكهرباء، هي في صلب لائحة الشروط الدولية التي لم يجد لبنان الرسمي حرجا بعد ثلاثة اعوام، من عدم تلبيتها...

في الخلاصة، بدأ وجه لبنان يتحول عن طبيعته، والخشية من تفلت لا تحمد عقباه تدفع بالأيام الطبيعية الى غير وجهتها، بما ينعكس تاليا على بعض القرارات المصيرية التي قد تفضي الى عصيان دستوري ينذر بدخول لبنان مرحلة أخرى غير حميدة. قد يبدأ الحل العملي بمبادرة أصحاب المصارف والسياسيين الذين حولوا اموالهم الخاصة الى الخارج، (لا رقم محدد لها لكن يتردد أنها تتراوح ما بين 3 و10 مليارات دولار، الى إعادة قسم منها لحلحلة جزء من أزمة السيولة، وخصوصا لصغار المودعين ولذوي الأوضاع المستعصية، ولكن بشرط ان تبقى القرارات بعيدة مجددا عن الاستنسابية والمحسوبية. وان لم يقدم هؤلاء طوعا، فللقسر أيضا مساحات متاحة... وقد يكون هذا جزءا من الحل تخفيفا لضغط صدمات جديدة مقبلة حتما!

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- هكذا تستهدف إسرائيل قدرات حزب الله

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟