يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13

«تجربة فريدة» قيد الاختبار

Thursday, May 19, 2022 8:58:02 AM

بقلم جورج شاهين -الجمهورية


لن يطول الحديث عن الأرقام والأحجام التي انتهت إليها الانتخابات النيابية وما أفرزته من معادلات جديدة. فالمرحلة المقبلة بما تحمله من استحقاقات دستورية واقتصادية ستدفع الى التراجع بقوة عن منطق التحدي والانفعال لمصلحة التفاهمات والتسويات المرتقبة طالما أنه لن تكون هناك أكثرية صلبة قادرة على أن تتحكّم بإدارة الازمة وحسم مخارجها وحدها. وعليه، فإنّ ما هو متوقع هو «تجربة لبنانية» فريدة لا تشبه اي تجربة أخرى.

أمام اللبنانيين مهلة قصيرة للخروج من مدار «عصفورية» الانتخابات النيابية وما رافقها من خطاب شعبوي استحضرت فيه كل الموبقات السياسية والاتهامات التي لم توفّر احداً بغية التحشيد وشحذ الهمم واستقطاب الناخبين الى مجموعة من الخيارات كانت الأوسع في تاريخ الاستحقاقات النيابية. فقد كان الإنقسام سابقاً محصوراً بجبهات محدودة فرزت اللبنانيين بحدةٍ أقسى من تلك التي عاشتها التجربة الاخيرة. فتعدّد اللوائح ومعها المشاريع الانتخابية انعكست على الآلية المعتمدة في تظهير النتائج وما رافقها من عدم قدرة على الإعلان عنها قبل احصاء الصوت الاخير في صناديق الاقتراع.



فانتخابات المنتشرين، المهاجرين منهم والمهجّرين الجدد ونسَب المشاركة في الداخل والخارج والتي تفاوتت بين منطقة وأُخرى زادَت من أجواء الغموض في حسم النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع، وجاءت النتائج لتسقط كثيراً من التوقعات التي أشارت إليها مؤسسات الإحصاء والإستفتاء بنحوٍ لا يرقى اليه اي شك، إلا في ما نَدر من الدوائر الانتخابية وفي حالات خاصة ومحدودة محسومة سلفاً. ولذلك فقد اعترف بعضهم صادقاً بأنه لم يتمكن من رَصد التوجهات الشعبية في الداخل كما في الخارج لأسباب عدة لا يمكن مقاربتها كاملة.



ولعل أبهى ما يعطي هذه «الصورة البانورامية» الصدقية الكافية ما عبّرت عنه الموجات الشعبية الرافضة لكل ما كان مطروحاً من قبل وسَعي البعض الى الإقتراع «العقابي» تجاه من حَمّلتهم القواعد الشعبية مسؤولية ما آلت إليه الانهيارات المتتالية على اكثر من صعيد، فأعطت صورة واضحة عن تحالفات كانت خارج منطق الأمور وأوحَت بما لا يقنع فئات واسعة من الشعب اللبناني ففقدت ثقتها. كما فكّكت كتلاً وأقصَت وجوهاً نيابية نَمت وأمضت حياتها على ضفاف تحالفات كبرى شكّلت «حاملات كبيرة» نقلتهم الى ساحة النجمة لدورات متتالية.



وعليه، تكشف دراسات معمّقة لمزاج اللبنانيين أنه وللمرة الاولى، وعلى الأقل في الدورات الإنتخابية الثلاث السابقة، كانت الخيارات أمامهم متعددة الاشكال والاحجام وحملت اليهم طروحات وافكاراً ومشاريع جديدة تُمنّنهم بإمكان التوصل الى مخارج وحلول لكثير من القضايا العالقة بوسائل متعددة عجزت السلطة ومعها المنظومة المتحالفة عن القيام بها. وإنّ ما أفرزته صناديق الاقتراع من تشكيلات نيابية جديدة خير دليل على ذلك، فتعددت الكتل النيابية نتيجة ما أصاب القديم منها من تفكّك وغياب تام لبعضها، وما يمكن ان تنتجه التفاهمات المقبلة من تكتلات نيابية نسجت خيوطها الأولى قبل إقفال باب الترشيحات ومرحلة تشكيل اللوائح على مساحة الدوائر الانتخابية كافة بما يُوحي بولادة تكتلات بعيدة عن الجغرافيا السياسية والطائفية لتواجه أخرى ولدت في انتخابات الأمس وقد تتجاوزها عدداً وقدرة على التحرّك إن نجحت في توحيد برنامجها ورؤيتها لمخارج الحلول، وهو أمر باتَ رهناً بتنازل بعض النواب المنتخبين حديثاً عن مصالحهم الشخصية. هذا إن لم تتعدد وتتكرّر الانقلابات في صفوف المُصطفّين على ضفتي الانقسامات السياسية بطريقة ليست في الحسبان.



ولذلك كله، فإنّ ما هو منتظر يستحق عناء البحث عن شكله ومضمونه وما يمكن ان يعكسه من صورة المشهد السياسي المقبل. وانّ اي صورة متكاملة لِما لبنان مُقبل عليه باتت وَقفاً ببلوغ بعض الاستحقاقات الدستورية الاجبارية التي عليه عبورها في الفترة المقبلة والتي تستحق قرارات حادة لا يمكن تأجيلها او تمويهها. وفي انتظار ان تعبر مرحلة الاحتفالات ومهرجانات تقبّل التهاني التي ستحفل بها عطلة نهاية الأسبوع، فإنّ ما ستأتي به قرارات مجلس الوزراء المتوقعة غداً- إن بقيت الجلسة في موعدها- قد تعدّل في اهتمامات اللبنانيين وتقودهم الى مواجهة ما هو منتظَر من بوادر صعوبات معيشية عليهم الإستعداد لتحمّلها لِما ستُلقيه من أثقال كبيرة ستودعهم بها الحكومة الحالية قبل ان تفتقد ثقة مجلس نيابي راحل وتدخل مرحلة تصريف الاعمال. وهي تُلقي في الوقت عينه على عاتق المجلس النيابي الجديد مسؤولية مواجهتها بعد الإعتراف الذي لا نقاش فيه بالعجز عن مواجهتها، وهو ما سيشكّل أول وأخطر امتحان على المجلس الجديد الخضوع له.



فمن الواضح انّ السلطة التشريعية الجديدة مدعوّة الى وراثة ما خَلّفته السابقة من إرث الاصلاحات المالية والادارية والدستورية المطلوبة على اكثر من مستوى. وسيكون على المجلس وفي وقت قياسي لا يتعدى تكوين هيئته الادارية، بدءاً بانتخاب رئيسه ونائبه وهيئة مكتب المجلس ولجانه النيابية، مواجهة المصاعب المالية ومجموعة من مشاريع قوانين وبرامج أعدّتها الحكومة وتتصل بحياة اللبنانيين اليومية ومقتضيات الاتفاق المبدئي «على مستوى الموظفين» مع صندوق النقد الدولي بالاضافة الى مشروع قانون موازنة 2022.



ولا يُخفى على احد انّ مجمل هذه التجاذبات تترافق مع التحضيرات لاستحقاق سيكون الأخطر والاكثر ثقلاً على المجلس النيابي الجديد، فهو وفي ظل المصاعب المالية والسياسية سيواجه استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة في ظل سقوط تفاهمات سابقة بين أقطاب كانوا يعتقدون أنهم يتحكّمون بإدارة المجلس النيابي الجديد من دون وجود قوة حضرت لتقاسم السلطة وتفرض قراءة جديدة للتفاهمات الانتخابية السابقة التي سقط كثير منها في فخ الحواصل والصوت التفضيلي في بعض الدوائر الانتخابية.



والأهم انّ كل ذلك يجري في وقت يَدهمهم استحقاق انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، وهو ما سيقود حتماً الى مواجهة اكثر حدة وشمولية على مستوى مؤسسات الدولة إن بقيت الانقسامات قائمة بين أركانها حتى نهاية العهد. وهي ستؤدي الى مزيد من الحِدة والسخونة بالتزامن مع ما يشبهها نتيجة التجاذبات الاقليمية والدولية التي تبحث عن ستاتيكو جديد لم يرْس على بَر، ولم يجر ترسيم حدوده بعد، بما يضمن استقراراً داخلياً على الساحة اللبنانية ينتظره الجميع برعاية قوى اقليمية ودولية سبق لها ان أدارت الخلافات القائمة بين اللبنانيين.



وفي المحصّلة لا بد من الاعتراف انه، والى تلك المرحلة، فإنه اذا لم يحسم اللبنانيون امرهم تجاه ما هو مطلوب من إقفال كل المسارب المؤدية الى التخفيف من حدة الأزمة المالية والمعيشية في ظل ازمة حكومية تقود الى شغور رئاسي بلا أفق، فإنّ لبنان مُقبل على سيناريو جديد يتحدث عن تجربة لبنانية فريدة من نوعها.

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟

خاص- بالأرقام.. كم بلغ عدد الصواريخ التي تم إطلاقها من لبنان نحو إسرائيل

خاص- حماس تعلّمت من حزب الله.. كيف؟

خاص- بشأن الهجوم على حزب الله.. هذا ما كشفه استطلاع

خاص- المرضى الفلسطينيون يموتون في لبنان

خاص- هل عارض السيد نصرالله مطالب إيران؟

بالأرقام: ماذا أوضح الجيش الإسرائيلي عن هجماته على الحزب؟