يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

موازنة 2022: التفليس المتعمّد للضمان الاجتماعي

Tuesday, January 25, 2022 9:32:19 PM

من المفترض أن تكون شبكات الحماية الاجتماعيّة، وخصوصًا تلك التي تُعني بتأمين الحاجات الأساسيّة كالغذاء والتغطية الصحيّة، من أبرز الأولويّات عند التعامل مع أي أزمة ماليّة قاسية، كتلك التي يمر بها لبنان اليوم. وحتّى صندوق النقد، المعروف بشروطه التقشّفيّة القاسية على المستوى الاجتماعي، حذّر لبنان في جولات التفاوض السابقة سنة 2020 من خطورة عدم وضع خطّة لبناء هذا النوع من شبكات الحماية، معتبرًا أن غيابها يمكن أن يؤدّي إلى انفجار اجتماعي يعرقل تنفيذ أي خطّة تصحيح مالي. والحديث عن شبكات الحماية الاجتماعيّة المرتبطة بالتغطية الصحيّة، يقودنا تلقائيًّا إلى أزمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أكبر المؤسسات الضمانة في لبنان، الذي يغطّي كلفة الاستشفاء لنحو 35% من المقيمين في لبنان.

ثمن تعثّر الدولة
لكن على ما يبدو، وفي مقابل تركيز خطّة الحكومة الماليّة على معالجة أزمة خسائر المصرفي على حساب المال العام وأموال المودعين، تذهب الموازنة العامّة التي تقترحها وزارة الماليّة اليوم إلى تدفيع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ثمن أزمة تعثّر الدولة في سداد مستحقاتها للصندوق، ناهيك عن وضع موجودات الصندوق تحت وطأة مخاطر أي تدهور إضافي في سعر صرف الليرة اللبنانيّة.

فالدولة اللبنانيّة مدينة لفرع ضمان المرض والأمومة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنحو 5,000 مليار ليرة لبنانيّة، وهي مبالغ يحتاجها بشدّة هذا الفرع من الصندوق بشكل ماس لسداد قيمة العجز التراكمي في ميزانيّته، وللتمكّن من الاستمرار بتأمين التغطية الصحيّة للمنتسبين إليه. مع الإشارة إلى أنّ العجز في فرع ضمان المرض والأمومة، يدفع الصندوق باستمرار إلى الاستدانة من أموال فرع نهاية الخدمة، ما يؤدّي إلى تآكل الأموال المرصودة لتعويضات نهاية خدمة المضمونين. ومن المعلوم أن تغاضي الدولة عن سداد التزاماتها للصندوق يمثّل أبرز أسباب تعثّره، حيث تمثّل هذه الالتزامات وحدها نحو 37% من موجودات الصندوق القائمة اليوم.

تقسيط ولا التزام
في كل الحالات، وعوضًا عن وضع خطّة عاجلة لسداد هذه الالتزامات من قبل الدولة لمصلحة الضمان، لإنقاذ الصندوق من الإفلاس المحتم، ذهب مشروع قانون الموازنة العامّة الذي يناقشه مجلس الوزراء حاليًّا إلى تكريس وقوننة حالة التعثّر التي يعاني منها الصندوق، نتيجة عدم سداد الدولة لالتزاماتها له. فالمادّة 24 من الموازنة نصّت على تشريع تقسيط التزامات الدولة لمصلحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على فترة 10 سنوات، أي بدفعات لا تتجاوز قيمتها ال500 مليار ليرة لبنانيّة سنويًّا. وتجدر الإشارة إلى أنّ الدولة قامت بجدولة التزاماتها لمصلحة الصندوق مرّتين سابقتين على هذا النحو بالتحديد، حين تم استعمال هذه الجدولة لتأجيل التعامل مع أزمة هذه الالتزامات، من دون أن تلتزم الدولة بالدفعات المتفق عليها.

باختصار، سيكون الضمان الاجتماعي على موعد مع بند من داخل الموازنة، يشرّع تملّص الدولة من سداد مستحقاتها، ويفتح الباب أمام تأجيل التعامل مع هذه الأزمة خلال الفترة المقبلة، من دون أن يضمن الصندوق التزام الدولة بسداد الدفعات السنويّة خلال السنوات العشر. وبمجرّد إقرار الموازنة كقانون في مجلس النوّاب، ستغسل الدولة يديها من جريمة تفليس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بوجود نص تشريعي يسمح لها بعدم دفع المستحقات في الوقت الراهن.

إنقاذ المصارف على حساب الضمان
وفترة السماح القانونيّة هذه، ستسمح للدولة بالمضي قدمًا في مشاريع استعمال أصول الدولة ومصرف لبنان لسداد فجوة خسائر القطاع المصرفي، عبر مشاريع الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص، كما تنص الخطة الماليّة الجديدة، من دون أن تكون الحكومة عرضة للمساءلة من جهة سبب المضي قدمًا في الإنفاق من المال العام لإنقاذ المصارف مقابل عدم التعامل مع إلتزاماتها المتوجبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. مع العلم أن ترحيل التزامات الدولة للصندوق لمدّة 10 سنوات، كما تنص الموازنة ستعني تعريض هذه المستحقات لمخاطر أي تدهور إضافي في سعر صرف الليرة اللبنانيّة.

كل هذه التطوّرات، ستمثّل عاملاً إضافياً من العوامل التي تدفع الصندوق إلى التعثّر، إلى جانب الكثير من العوامل الأخرى التي ظهرت خلال الأشهر الماضية. فقيمة موجودات الصندوق، التي كانت تبلغ نحو 9 مليار دولار في بدايات العام 2019، لم تعد تتجاوز اليوم حدود 700 مليون دولار، مع التدنّي الذي حصل في سعر صرف الليرة اللبنانيّة، خصوصًا كون الغالبيّة الساحقة من استثمارات الصندوق تمثّل موجودات مقوّمة بالليرة اللبنانيّة. أما الإشكاليّة الأهم، فهي أن سندات الخزينة المقوّمة بالليرة اللبنانيّة تمثّل نحو نصف استثمارات صندوق فرع نهاية الخدمة، ما يشكّل ديوناً إضافيّة على الدولة تُضاف على التزامات الدولة المشار إليها في مشروع قانون الموازنة. أما نصف الاستثمارات الآخر، فيتوزّع على توظيفات مصرفيّة متأثرة بأزمة احتجاز الودائع.

أمام هذا الواقع، قد يقترب الصندوق تدريجيًّا من لحظة التعثّر المالي، وخصوصًا في ما يتعلّق بفرع ضمان المرض والأمومة. وبهذه الطريقة، ستكون خطة الدولة الماليّة قد أنقذت المصارف من مال الدولة، وأفلست الضمان بحرمانه من مستحقاته. هذه الصورة، تلخّص ببساطة شديدة الأولويّات الاقتصاديّة لحكومة ميقاتي.

المدن

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

كيف أقفل دولار السوق السوداء مساء اليوم؟

مشاركة فاعلة لجمعية الصناعيين في معرض "هوريكا"

شقير يُبَشر بعودة قطاع المعارض للتعافي: تحية للمنظمين ولأصحاب المراكز على جرأتهم بتحدي المخاطر الكبيرة

نتائج المسح السنوي لقطاع التأمين في لبنان!

صعود أسعار الذهب وسط مخاوف من اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط

الرد الإسرائيلي يشعل أسعار النفط

كيف سيتحرّك سعر البنزين في المرحلة المقبلة؟

بوشكيان يعرض مع سفيرة كندا العلاقات الثنائية