يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

كل ما حذر مخزومي منه وصلت البلاد اليه.. كيف لميقاتي العاجز عن جمع الحكومة ان يلبي مطالب الرياض؟

Saturday, December 11, 2021 8:54:11 AM



خاص اللبنانية
 
لا مجاملة ولا ممالأة للرجُل، بل اعتراف بواقع كان هو السبّاق في التحذير من الوصول اليه، وها هي البلاد تعيشه استنزافا يوميا لما تبقى لديها ولدى شعبها من امكانات ومقومات حياة..
رئيس حزب الحوار الوطني النائب فؤاد مخزومي حذر منذ ما قبل ثورة 17 تشرين من تغول المنظومة السياسية الفاسدة وامعانها في نهب مرافق البلاد ومواردها المالية عبر الصفقات والسمسرات والمناقصات والسرقات على انواعها وصولا الى نهب الارادة الشعبية والسياسية للناس وتزويرها.
وحذر مخزومي من تغول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (الذي يصفه البعض بـ"الحاكم بأمر المال") والقيمين على القطاع المصرفي والمصارف في التصرف باموال الللبنانيين من مودعين وغير مودعين بموجب سياسات مصرفية وهندسات مالية عادت على اصحابها بالمليارات من الدولارات، فيما مصير ودائع اللبنانيين التي هي جنى اعمارهم تمضي الى المجهول.
وحذرمخزومي ايضا وايضا من تدهور سعر العملة الوطنية لتوقعه استمر سعر الدولار في الارتفاع بما ينعكس سلبا ويوميا على معيشة المواطنين نتيجة الارتفاع الجنوني في الاسعار وسيادة الجشع والاحتكار لكل شيء حتى للأدوية التي ترتبط بها صحة المواطنين وحياتهم. ودعا الرجل الى وضع سياسات مالية لحماية العملة الوطنية، وشدد في حينه على وجوب اقرار عاجل لقانون "الكابيتال كونترول" لمنع هروب الرساميل والاموال بالعملات الصعبة الى الخارج منعا لندرتها وشحها وبالتالي لارتفاع اسعارها على حساب العملة الوطنية. وكذلك شدد مخزومي على وجوب اجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وبقية الوزارات والادارات العامة لكشف سرقات المنظومة الفاسدة، ولكن هذه المنظومة كانت ولا تزال تمعن في تعطيل هذا التدقيق يوميا بالتعاون والتنسيق مع حاكم مصرف لبنان الملاحق قضايا في غسل اموال امام القضاءين الفرنسي والسويسري وجزر العذارى...وغيرها
ونادى مخزومي بسياسات وخطوات اصلاحية لتلافي الانهيار بالاستناد الى مفاوضات جدية وعملية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات المالية الدولية من اجل تامين المساعدات والقروض الميسرة لانعاش مالية الدولة واقتصادها وكذلك لإجراء الاصلاحات في مختلف القطاعات المسببة للهدر في المال العام نظرا لما يعشش فيها من فساد كقطاع الكهرباء الذي هدر فيه اكثر من 42 مليار دولار منذ العام 1992 وحتى اليوم وما زال البلد بلا كهرباء فيما هذا المبلغ المهدور الذي توزع سرقات بين اركان المنظومة الفاسدة يمكن ان يؤمن كهرباء مستدامة للبنان وسائر المشرق والشرق الاوسط وشمال افريقيا، حسب قول بعض اصحاب الاختصاص.
هذا غيض من فيض ما حذر منه رئيس حزب الحوار الوطني، ولكن البلاد وصلت اليه، وها هي تمضي نزولاً في الهوة السحيقة التي وقعت فيها على كل المستويات ولا يزال حبل الانهيار على غاربه لأن المنظومة السياسية الحاكمة التي افسدت كل شيء حتى الحراك الشعبي الذي انتفض ضدها ما تزال تتحكم بمفاصل البلد وتسيطر على قراراته بقوة السلاح وبالحبائل والتركيبات والمشاريع السياسية التي لا غاية لها منها ولا هدف الا تأبيد وجودها في السلطة والايغال اكثر فأكثر في سرقة ما تبقى لدى البلد من امكانات ومنها النفط والغاز في بحر لبنان وبره.
ولعل ما يدمي قلوب اللبنانيين، في رأي كثيرين، هو ان بلدهم بات بلدا متسولاً على ارصفة الدول والامم بفعل جرائم السرقة الموصوفة التي ارتكبتها المنظومة الفاسدة ولا تزال في حقه الى ان وقعت البقرة و"لكن ليس هناك من يسلخ ولا يسلخون"، فهذه الدولة تشحن شهريا للبنان عشرات الاطنان من المواد الغذائية للقوات المسلحة اللبنانية ودولة أخرى تشحن ثلاثين طنا أخرى منه هذه المواد، في حين ان في امكان اي من اركان المنظومة ان يقدم هذه الاطنان مما "اكتنزه" من مال الشعب اللبناني المنهوب على يديه وايدي نظرائه في النهب. لكن احداً من هؤلاء لا يرف له حفن ولا يتصرف بوازع من ضمير...
في الامس ذهب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى مصر طالبا من رئيسها عبد الفتاح السيسي "مساعدات غذائية" وادوية للامراض المزمنة وغير المزمنة التي رفع عنها حاكم مصرف لبنان الدعم باشرافه وحكومته تاركا عشرات بل ربما مئات الالوف من اللبنانيين من اصحاب الامراض المزمنة امام موت محتم لعدم قدرتهم على شراء هذه الادوية التي ارتفعت اسعارها عشرات الاضعاف دفعة واحدة وبين ليلة رفع الدعم وضحاها.
ما حققه ميقاتي وحكومته حتى الآن هو "صفر مكعب" من الانجازات في رأي مواكبين لحركته، هو مشتبك بقوة مع "الثنائي الشيعي" ولكنه لا يعترف بذلك، ومشتبك ايضا مع رئيس الجمهورية ولو من خلال اشتباكه مع "رئيس التيار الوطني" الحر جبران باسيل وينفي ذلك. ومشتبك تقريبا مع الجميع ولا يجرؤ على دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد مع ان النصاب القانوني للجلسة متوافر ولكنه يخاف من ردة فعل "الثنائي  الشيعي" الذي يطالب بجلسة للمجلس تقرر "قبع" المحقق العدلي في قضية انفحار المرفأ القاضي طارق البيطار من مكانه. وعندما يُسأل لماذا لا يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد من دون ان يأبه بموقف "الثنائي" يرد قائلا: "لا اريد ان اكرر تجربة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة البتراء".
وللهروب من هذا الواقع الذي يتطلب منه قرارات شجاعة وجرئية تلتزم الدستور وتتحدى الجميع لمصلحة وقف انهيار البلاد واجراء الاصلاحات الانقاذية المطلوبة داخليا ودوليا، راح ميقاتي يشتغل على خط تطبيع العلاقات المأزومة بين لبنان والمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي، فذهب الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مستنجدا وطالبا منه التوسط لدى الرياض لكي تغير موقفها ايجابا منه وتعيد وصل ما قطعته مع لبنان بفعل تصريحات الوزير جورج قرداخي واسباب اخرى معروفة لدى القاصي والداني.
نجحت وساطة ماكرون لدى ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان وحصل الاتصال الشهير الثنائي والثلاثي الاطرا ف بينهما وبين ميقاتي اثناء محادثاتهما في جدة قبل ايام، لكن البيان الختامي للمحادثات السعودية ـ الفرنسية اورد لائحة المطالب ـ الشروط السعودية (وربما الفرنسية ايضاَ) لاعادة تطبيع العلاقات مع لبنان، لن يكون لميقاتي القدرة على تنفيذها. حيث شدد الطرفان السعودي والفرنسي في هذا البيان على "ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ إصلاحات شاملة، لا سيما الالتزام بتنفيذ اتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان. وان تشمل الإصلاحات قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود". واتفق الجانبان على العمل مع لبنان لضمان تنفيذ هذه الإجراءات". وشددا على "ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية وألا يكون لبنان منطلقا لأي اعمال ارهابية يزعزع استقرار وامن المنطقة، ومصدرا لتجارة المخدرات". وكذلك شددا على "أهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان. واتفقا على استمرار التشاور بين البلدين حول كل هذه القضايا. واتفقا على إنشاء آلية مساعدات إنسانية فرنسية سعودية في إطار يضمن الشفافية التامة ويظهر عزمهما على إيجاد الآليات المناسبة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني، بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة. وأكدا أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته، وفقا لقرارات مجلس الأمن (1559) و (1701) و (1680) والقرارات الدولية ذات الصلة".
هي شروط لن يستطيع ميقاتي ان ينفذها، فهو ليس بقادر على دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد وتحدي "المانع الشيعي" بالذهاب الى تطبيق الدستور، فكيف له ان يلبي المطلب السعودي ـ الفرنسي بـ"حصرية السلاح" بمؤسسات الدولة وتنفيذ القرارات الدولية وابرزها القرار 1559 القاضي بتجريد هذا السلاح غير الشرعي من حامليه. ولذلك ليس في الافق من تطبيع بين لبنان والسعودية، وميقاتي نفسه وكل كبار القوم يعرفون حقيقة ما يشكو منه السعوديون في لبنان وهو "هيمنة" حزب الله على الدولة، والتي يشير اليها دوما النائب محزومي في اعتبارها المانع لتحقيق اي اصلاح والاخذة لبنان الى الخيارات الايرانية بعيدا عن محيطه العربي الذي ينتمي اليه.
وفي اي حال، يقول متابعون للتطورات انه ايا كانت التطورات المرتقبة سلبا او ايجابا على خط العلاقات السعودية ـ اللبناية فأن ميقاتي وقع في "شر" تصريف الاعمال شاء ام أبى،وسواء استقال او لم يستقل فلا يؤمل منه تحقيق انجازات في وقت تتعطل الاصلاحات الموعودة  وذهب هو والجميع الى الانتخابات. وحتى الخارج بما فيه السعودية ودول الخليج يدركون ان حكومة ميقاتي لن تتمكن من تنفيذ ما طلبه بيان جدة السعودي ـ الفرنسي منها، وباتوا يؤثرون عدم الاقدام على اي خطوة في اتجاه لبنان انتظاراً لمعرفة مصيرالاستحقاق النيابي اجراء او تأجيلاً ليبنوا على الشيء مقتضاه على مستوى مستقبل العلاقات مع لبنان وطبيعة المنظومة التي ستحكمه، خصوصا في حال اجريت الانتخابات في موعدها وفشل المتضررون منها في سعيهم لتأجليها..
                       

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص - نبيل بدر.. رجل الحوار والمبادرات

خاص - الزبالة كترانة... والبلديات تتحرك!

خاص- "اللبنانيّة" يكشف تفاصيل خطيرة عن مراكب الهجرة إلى قبرص..إليكم ما حصل (صور)

خاص- هل يدفع لبنان ثمن التصعيد الإيراني الإسرائيلي؟

خاص - علقة بالبحر!

خاص - بسبب السرقة.. جريمة في العزونية قضت على أستاذ ثانويّ

خاص - المهندسون المستقلون ينحازون لجانب المعارضة؟!

خاص- الردّ الإيراني قد يأتي من جنوب لبنان