يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

استقالة قرداحي دفعة أولى من حساب مفتوح في فيينا

Friday, December 3, 2021 8:46:26 PM

مع تقديم وزير الإعلام جورج قرداحي استقالته من الحكومة، لا يمكن إغفال تسجيل خطوة نجاح إضافية للرئيس نجيب ميقاتي، في أسلوبه المعتمد في تدوير الزوايا وحفّها وتنعيمها، وفي القدرة على التسلل بين متاريس محاور الصراع الدائر، لإنقاذ حكومته المتهالكة والمصابة بالشيخوخة المبكرة.

فحكومة "معاً للإنقاذ" باتت بحاجة لعملية كبيرة لترتيب إنقاذها، واستمرارها في الوجود على قيد الحياة، نتيجة المطبات والمعترضات التي واجهتها وتواجهها، علها تتمكن من إحداث تحسين ولو طفيف في أوضاع اللبنانيين الميؤوس منها والمتدهورة باستمرار وتتابع.

آخر حكومات العهد
الرئيس ميقاتي، بعد المواقف المُعطلة للحكومة وعملها محلياً وإقليمياً، لم يرم السلاح أو يعلن الاستسلام. وراح يتابع آخر التفاصيل، مراجعاً عرّاب حكومته في الاليزيه، قبل وصوله إلى المنطقة في جولة خليجية. وقد تمكن من إحداث خرق ولو يسير في جدار الأزمة، عبر انتقال وزير الإعلام في الصنائع إلى تقديمه برنامج آخر من برامجه الناجحة جماهيرياً.

خطوة القرداحي لن تحل الأزمة بالتأكيد. لكنها ستساعد إيمانويل ماكرون الذي يواجه وضعاً داخلياً دقيقاً، والمجتهد لتحقيق خرق هنا ونجاح بسيط هناك، قد تساعده على فتح الحديث الفرنسي مع المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج، للشفقة على بلد تحول يتيماً معوزاً متسولاً وجبات الطعام لقواه العسكرية، التي قد تتحول بدورها إلى فرق كشافة ودفاع مدني.

من حيث المبدأ ولمن يحمل تصورات ومشاريع وطرق تفكير مختلفة وطموحة، ما من طريق للسير نحو التحسن التدريجي راهناً، والخروج من مأزق التلاشي والانحدار المميت الحالي، إلا عبر إعادة العمل بتفعيل الحكومة الحالية، آخر حكومات العهد القوي.

إن كل محاولات الحلول الأخرى تعد في ظل تركيبة النظام الحالي ضرباً من المراهقة المدمرة للإمكانيات والفرص والطاقات!

حرق ثلاثة رؤساء
واقعياً، ليس أمام الصُناع من حدادين وعمال بناء ومهندسين في السياسة اللبنانية، إلا الأدوات الراهنة الموجودة والمتوافرة الآن. بمعنى آخر، إن الحكومة الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، هي أفضل ما يمكن أن يتوفر في هذه الحشْرة.

في الأصل، تشكيل الحكومة الحالية، تطلب جهداً ووقتاً وهدراً للإمكانيات والطاقات، أسفر عن حرق ثلاثة رؤساء للحكومة هم: حسان دياب، المحترق أصلاً بفعل عملية الولادة من خارج الطرق الطبيعية، ثم مصطفى أديب وسعد الحريري، إلى أن وصلنا إلى المخاطرة غير المحسوبة من قبل نجيب ميقاتي.

البحث عن الجمهورية والحكومة الفاضلة هو أمر غير موجود أو متوفر في لبنان راهناً، ولا إمكانية لوجوده في المدى المنظور.

الظروف السائدة والمسيطرة لم تكن تسمح أساساً بتشكيل حكومة، بسبب انتظام ومواجهة الفسطاطين الكبيرين في المنطقة على أرض لبنان. حيث يقف الفسطاط الأول بقيادة إيران في المنطقة، ووكيلها في لبنان، أي حزب الله، في مواجهة الفسطاط المقابل حيث تقف الولايات المتحدة الأميركية ومعها المملكة العربية السعودية ومن هو محسوب عليها.

كانت كل التحليلات والتقديرات تشير، حين كان الرئيس سعد الحريري مكلفاً في تشكيل الحكومة، ويتلقى المراسلات بالبريد غير المضمون من بعبدا، أن لا حكومة قابلة للتشكيل، إلا بعد انتهاء مفاوضات فيينا، تماماً كما حدث مع تجربة الرئيس تمام سلام، الذي انتظر سنة كاملة حتى تمكن من تشكيل حكومته، ليخرج من يقول من إيران بعد إنجاز الاتفاق بين إيران والدول الغربية: "ما بالكم أنتم في لبنان لا تشكلون حكومة؟!"

الفرق بين تجربتي سلام والحريري، أن الأول كان يناقش تركيبة وتشكيل الحكومة مع شريك هو ميشال سليمان، فيما ناقش الحريري مع شريك آخر هو ميشال عون.

بعد تصدع الاتفاق مع إيران بخروج أميركا ترامب منه، كان من المستحيل عودة الاستقرار إلى لبنان من دون إرادة إقليمية ودولية تسمح بذلك.

مغامرة ميقاتي
كان تقدير الرئيس الحريري غير موفق على الإطلاق، حين تقدم إلى منازلة في غير أوانها، لمحاولة تشكيل حكومة بالتعاون مع شريك لا يريده ولا يريد له النجاح والبقاء في السلطة. فكانت النتيجة ضياع طاقات وفرص وإمكانيات كان يمكن أن تكون خسائرها أقل، لو تُرك للأكثرية النيابية أن تحكم.

كان تقدم الرئيس نجيب ميقاتي إلى حلبة تشكيل الحكومة في ظل المعطيات التي أفشلت زميليه في نادي رؤساء الحكومة السابقين، ضرباً من المغامرة غير المحسوبة وغير المدروسة.

نجح نجيب ميقاتي في إزالة بعض الحواجز، وفتح الطريق إلى السراي الكبير في لحظة وقف ظرفي وصغير لإطلاق النار على محور الاشتباك الإقليمي الدولي. فاستغل كما بات معروفاً، اندفاع إيمانويل ماكرون باتجاه مسايرة إيران، طمعاً بحفنة من الأوراق والعقود الصناعية والاستثمارية في المنطقة، فرد ابراهيم رئيسي على المكالمة الهاتفية من الرئاسة الفرنسية طمعاً بنكاية وزكزكة أميركا بايدن. فكانت محادثة سُمح فيها للميقاتي صديق الفرنسيين في أكثر من استثمار ومكان عمل، أن يقوم بتركيب البازل الوزاري، فاكتملت صورة الحكومة المتناقضة، يجمعها على لوحة واحدة كمية كبيرة من أدوات التثبيت الاصطناعية والألوان المتباعدة، تحت شعار معاً للإنقاذ.

بانتظار فيينا
يمكن اعتبار مطلب الثنائي أمل وحزب الله من الحكومة قبع القاضي بيطار بمثابة طلب من الميقاتي أن يطلق النار على رجليه، وهو لم يفشل بعد عبر محاولات التفافية مقبلة.

نجاح الميقاتي في إقناع حزب الله بالسماح للقرداحي في الاستقالة ليس خطوة بسيطة، في ظل الصراع والمواجهة الإقليمية الدولية.

لبنان الآن يقف على مفترق عودة المفاوضات في فيينا إلى الانطلاق في جولتها السابعة، ومعه كل أوضاعه وقضاياه من الانتخابات النيابية إلى الرئاسية التي باتت تحت تأثير سير هذه المفاوضات.

ليس من المبالغ فيه، اعتبار أن الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة في لبنان ستتأثر بنتائج مفاوضات فيينا سلباً أو إيجاباً. كما أن صورة النتائج باتت مرتبطة بما سيخرج أو لا يخرج من فيينا.

استقالة قرداحي خطوة إيجابية صغيرة، لكنها ليست أكثر من دفعة صغيرة وبمثابة رعبون في حساب مفتوح، أرقامه كبيرة في فيينا.

المدن

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

الفرد رياشي: متردد وخايف بكل خطوة بدو ياخدها...

التسوية الجنوبيّة نجمة الإليزيه: نواتها الجيش والشرعية

تذكيرٌ من الكعكي بموعد انتخابات أعضاء مجلس نقابة الصحافة اللبنانية

العبسي يستقبل السفير البابوي ويلتقي شخصيات

نائب رئيس "التيار": بو صعب هو من قرّر الانفصال!

جريمة مرعبة في لبنان.. قتل زوجته وقطّعها بالمنشار

العلاقات الفرنسية اللبنانية في المجال الطبّي والعلمي

مسؤول أمني عراقي يكشف تفاصيل عن الهجوم على قاعدة "كالسو"