يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13
الحريرية تأفُل .. والسُنة يتحررون من احتكار الزعامة و"الالغاء"  

Monday, November 22, 2021 2:01:07 PM


 خاص اللبنانية
 
 
مع بدء افول نجم الحريرية السياسية التي احتكرت الزعامة السياسية السنية لاكثر من ثلاثين عاما، تتحرر الطائفة الاسلامية السنية المتميزة بإعتدالها ووسطيتها من احادية الزعامة لتعود طائفة ولادة للزعامات ميزتها التنوع لا التنافس، وتداول السلطة لا احتكارها، الذي لم يحصل الا ايام الحريرية السياسية التي بلغ بها الامر حد الاتيان برؤساء للحكومة يدينون بالولاء لها ويأتمرون بأمرتها وكأنهم وكلاء لها، بل موظفين لديها يحلون مكانها في السلطة في لحظة رغبتها "الذهاب الى الراحة" من "عناء" السلطة والسياسة لبعض الوقت.
ولعل الدليل الى هذا الواقع هو ان جميع الذين تولوا رئاسة الحكومة قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبعده (باستثناء الرئيسين سليم الحص وعمركرامي) لم يخرجوا قيد أنملة عن "بيت الطاعة" الحريرية، من نجيب ميقاتي الى فؤاد السنيورة وتمام سلام حيث ان هؤلاء المهجوسون بالحريرية نفذوا بلا نقاش اوامر وتوجيهات آل الحريري الذي تصرفوا ( ورما مازالوا الى الآن) وكأن رئاسة الحكومة باتت ملكا خاصا لهم يسمحون بها لهذا او ذاك ممن يدين لهم بالولاء. حتى ان ميقاتي الذي سمى البعض  حكومته الاولى ثم الثانية وثم الثالثة الحالية بأنها "حكومة حزب الله" لم يخرج سابقا ولا هو خارج الآن عن الارادة الحريرية بل هو مهجوس دوما بها لا يقوى على التمرد عليها إن اراد...
لكن الواقع الآن، انه بعد كل ما جرى وفي ظل تراجع وانحسار دور الحريرية السياسية لعوامل واسباب عدة، تتعرض الطائفة السنية لمهانة من خلال حديث البعض عن انها باتت تعيشا فراغا في الزعامة بفعل تراجع الحريرية السياسية خصوصا بعد فشل الرئيس سعد الحريري في تأليف الحكومة لاسباب داخلية وخليجية وربما دولية تعكس الازمة الكبرى التي بلغتها وهي ازمة مجبولة بانعدام الثقة بالحريري داخليا وخارجيا يغذيه خلافه مع السعودية ومع بعض العواصم الغربية.
ليس صحيحا ان الطائفة السنية تعيش فراغا في الزعامة بعد آل الحريري، يقول سياسيون راسخون في علم السياسية اللبنانية، ويضيفون: "على العكس ان هذه الطائفة تعود بعد آل الحريري الى موقعه االطبيعي والمميز في التركيبة السياسية والطائفية اللبنانية، فهي شكلت على الدوام العنوان الابرز والمثال الاعلى لتداول السلطة على مستوى رئاسة الحكومة وحتى على مستوى المواقع الأخرى في الدولة.
 فبعد آل الحريري يعود باب الخيارات الى الانفتاح امام ابناء الطائفة السنية لانتخاب او اختيار من يمثلهم خير تمثيل في المجلس النيابي وفي كل مواقع السلطة وادارتها، فهي طائفة غنية بالرجال النظيفي الاكف والعصاميين والسياديين واللبنانيين العروبيين الذين يتمتعون بحيثية شعبية ملحوظة كالنائب فؤاد مخزومي وأمثاله، وعندما يقال ان الطائفة  باتت في فراغ وتخبط فذلك يشكل اهانة كبيرة لها، لأن ما اصاب لبنان من انهيار على كل المستويات احدث تخبطا في الساحة المسيحية بكل طوائفها المارونية والارثوذكسية والكاثوليكية والارمنية، وكذلك في الساحة الاسلامية بطوائفها السنية والشيعية والدرزية.
على ان البعض يرى ان ما يحصل في الطائفة السنية على المستوى الزعاماتي الآن أمر صحي وصحيح لانه يعيدها الى جادة الديموقراطية، فالاحادية هي الديكتاتورية بعينها، حيث ان الزعيم الاوحد يتصرف مع الناس على اساس "انا ربكم الاعلى". وهذه الديكتاتورية مرفوضة ليس لدى الطائفة السنية فحسب بل لدى كل الطوائف، إذ لا يمكن شخص ان يختزل طائفة او يختصرها بشخصه مهما علا شأنه، فهذا يشكل ديكتاتورية طائفية غريبة عن الواقع وغايتها التحكم بالبلد.
فالرئيس الراحل رفيق الحريري كان يقول دوما "ما في حدا اكبر من البلد" ولكنه تصرف طوال وجوده في السلطة وفي رئاسة الحكومة تحديدا على انه "هو البلد" فربط كل شيء يتصل بمستقبل البلد بنفسه متصرفا على اساس انه باق في السلطة الى ابد الآبدين، تيمناً بالتجربة الماليزية، او تجربة مهاتير محمد حيث حسب الدستور الماليزي تتغير الحكومات الماليزية ولا يتغير رئيسها المنتخب في المجلس النيابي، وقد طمح الحريري في لحظة ما الى اجراء تعديل دستوري يستقدم التجربة الماليزية الى لبنان، ولكنه لم يفلح في ذلك.
ولكن الخطورة في احادية الزعامة التي مارسها الحريري اصابت لبنان ودمرته تدميرا، بحيث انه ما ان اغتيل الرجل حتى إغتيل معه البلد وذهب كل شي فيه هباء منثورا.. وما زال اللبنانيون يدفعون الثمن حتى اليوم، وآخر الاثمان وليس آخرها هو هذا الانهيار المريع الذي يعيشونه، وقد باتت نسبة 74 في المئة منهم تحت خط الفقر حسب اخر الاحصاءات الاممية. 
ويرى البعض انه بعد كل ما جرى وكل ما حاق بالطائفة السنية من نكبات نتيجة احادية الزعامة التي حملتها وزر كثير مما وصل اليه البلد من انهيار، بات يحق لها ان تكون لها التعددية الموجودة في بقية الطوائف ولا سيما المسيحية منها، لأنه لا يمكن اختصار طائفة بشخص فهذه اسمها ديكتاتورية، فيما المطلوب ان تسود الديموقراطية، فالذين اوجدوا احادية الزعامة السنية او الشيعية او المسيحية انما فعلوا ذلك لغاية التحكم بالبلاد والعباد. بل اكثر من ذلك ان الاحادية هي في حد ذاتها الغاء للآخر بكل معنى الكلمة، الى ان درجة ان الحريرية ومن شدة شبقها في السلطة تمكنت من إقناع اصدقائها من دول وزعامات ومؤسسات حول العالمية بالتعامل معها حصريا دون سواها من الزعامات او السياسيين السنة، سواء في شؤون الطائفة السنية الدينية والدنيوية او على مستوى دورها السلطوي وموقعها في تركيبة الزعامة اللبنانية.
وربما تكون هذه السياسية الحريرية هي نفسها السبب في وصولها اليوم الى هذا الدرك الذي ينحسر معه وجودها الى حد الانسحاق لبنانيا وعربيا ودوليا، وها هي الآن تعود ضعيفة الامكانات الى عالم المال والاعمال الذي جاءت منه مع رفيق الحريري، ولكنها هذه المرة تعود لتبني نفسها بنفسها، اذا نجحت، من دون اي اتكال على السعودية التي باتت على نقيض منها.
ولذلك، يقول سياسيون مخضرمون، أن الطائفة السنية تدخل مع انحسار الحريرية السياسية عصرا ذهبيا على مستوى الزعامة بعيدا من اي حصرية وسيكون فيه "الحَبَق لمن سَبَق" او "من سبق شم الحبق" ، اي لمن كان زرع ويزرع وتعامل وسيتعامل مع ابناء الطائفة وغيرهم من اللبنايين بمنطق الاحتضان والمساعدة لا العبودية والاستعباد او الاستبداد. والفارق المهم في كل هذا هو ان ايا من الزعامات السنية التقليدية لا يمكنها ان تملأ فراغ الحريرية السياسية، بمعنى أن ايا من هذه الزعامات لن تكون قادرة على بناء حصرية او حكرية زعامتية جديدة على انقاض الزعامة الحريرية وتخضع الآخرين لمشيئتها كما كان الحريريون يتصرفون، بل ستكون على قدم المساواة في المنافسة على الزعامة مع الآخرين الذين احسنوا مع الناس يوم أساء الآخرون...
ويرى البعض ان عصر الطائفة السنية وزعامتها بعد الحريرية السياسية (آل الحريري واتباعهم سياسيا وطائفياً) سيكون مفتوحا امام دم جديد يمثله كل الذين لم يتلوثوا بالحريرية، وتصدوا لمشاريعها الالغائية، وعاشوا مع الناس ومع الحراك الشعبي الذي يعبر عن وجع اللبنانيين من السنة وكل الطوائف والمذاهب ومن الملل السياسية اللبنانية. كل ذلك سيحصل في اطار التعدد والتنوع الذي طالما حمل الطائفة السنية لوءه، وهو لواء يليق بها وببقية الطوائف في لبنان بلد التعدد والتنوع الذي يغني الحياة اللبنانية على كل مستوياتها ويؤدي الى قيام دولة الانسان في لبنان.
                  

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- لماذا ينتخب الثنائي مرشّح باسيل؟

خاص- احتفالات أحد الشعانين عمت لبنان.. ماذا عن أسعار الشموع والملابس؟

خاص- هل ضغط "التيار" أدى إلى تراجع الحكومة؟

خاص- أدوية خطيرة تغزو السوق.. انتبهوا!

الخازن لـ"اللبنانية": النافعة بجونية ستفتح بوقت قريب

خاص- حرب الجنوب.. مخاطر تداعيات لا يمكن التنبّؤ بها

خاص - اقترب الحل... وينتظر اختيار رئيس الحكومة

خاص- إسرائيل مستعدة لحرب الأثمان الباهظة