ليست المصارف وحدها من اقتبس نظام ponzi scheme أو ما يُعرف بمخطط بونزي، وهو مخطط استثماري احتيالي، بل هناك مواقع وتطبيقات وحتى كونتوارات اعتمدت الأسلوب نفسه، وانتهت بعمليات نصب واحتيال وخسارة العديد من المودعين، أو مَن يُطلق عليهم توصيف المستثمرين، أموالهم.
أحدث قضايا النصب والإحتيال الرقمي تمثلت بإغلاق موقع وتطبيق binancesfund، لكنها قد لا تكون آخرها. وليست عملية binancesfund بالأمر المفاجئ للكثيرين، لكنها من دون شك شكّلت صدمة للعديد من المتابعين والمودعين فيها، وألحقت بهم خسائر مالية لا يمكن تحديد قيمتها نظراً إلى طبيعة عمل التطبيق وكيفية ارتباط الزبائن به.

ما هو binancesfund
binancesfund هو موقع إلكتروني حديث المنشأ، يعود تاريخ تأسيسه إلى شهر نيسان 2021، تعمّد مؤسسه انتحال اسم binance، وهي إحدى المنصات الآمنة والموثوقة لجهة التداول الرقمي، ويتابعها الملايين حول العالم، حاول مؤسسو binancesfund إضفاء طابع الثقة عليه، ونجحوا في خداع الكثيرين. لكن الأمر لا يحتاج لاكثر من جولة سريعة على المواقع المتابعة للتداولات الرقمية، لاسيما منها "كاشفة الاحتيال" حتى يتبيّن سريعاً ان الموقع المذكور binancesfund لا يتمتع بأكثر من 0.9 في المئة من ثقة المستثمرين والمتداولين في المنصات الموثوقة، كما ان مواقع "كاشفة الاحتيال الرقمي" تصنف هذا الموقع والتطبيق العائد إليه بـ"عالي المخاطر" إلى درجة "التصيّد الإحتيالي".

قد يصعب على أي متعامل تمييز ما إذا كان المشروع خادعاً أو مزيفاً أم لا. لكن من السهل التمييز بين binancesfund وbinance الذي ينتحل الموقع اسمه. وتوضح صحافية متخصصة بالعملات المشفّرة وقضايا التكنولوجيا، حلا نصرالله في حديث إلى "المدن" أن لـ"باينانس" صفحة مخصصة للتأكد من العنوان الإلكتروني، ومعرفته تمثل باينانس رسمياً. ومن خلاله، يمكن حسم ما إذا كان العنوان الإلكتروني مزيفاً أو مزوراً. هذه الخاصية متاحة لدى أكثر من منصة وليست مقتصرة على باينانس فقط.

وتستغرب نصرالله أن الذين وقعوا ضحية عملية النصب والاحتيال لم يتأكدوا لا من جهة التمويل ولا من أي شي يتعلق بالموضوع. كانوا مندفعين بشكل مخيف للاستحصال على الفوائد، وهي صيغة المصارف التي يدمن عليها المجتمع اللبناني.

نشاط binancesfund
كان نشاط binancesfund يقتصر على استثمار الزبون بمبلغ محدد من المال عبر تطبيقه الإلكتروني بالـUSDT على مدى زمني معين، قد يكون 15 يوماً أو شهراً أو 45 يوماً أو 60 أو 75 يوماً، مقابل ريع محدد مسبقاً، أو ما يعتبره المتداولون فوائد على المبلغ، على أن يتمكن الزبون من الاستحصال على المبلغ الذي أودعه عند نهاية مدة الاستثمار، أي المدة الزمنية المحددة. يقول أحد المتداولين عبر binancesfund في حديث إلى "المدن": "..وهذا كل ما يعرفه المتداولون عن التطبيق".

عندما يضع أو يستثمر الزبون أمواله في التطبيق المذكور، يصبح لديه حساب مستقل. وكلما زاد عدد الزبائن لدى التطبيق من خلال الزبون المذكور يتقاضى الأخير عمولة عنهم، باعتباره الوسيط أو الوكيل، وتزيد العمولات كلما زاد الزبائن. ويستهدف المتداولون استبدال الـUSDT بالـUSD أي الدولار الطازج.

تم الترويج للتطبيق منذ أشهر في لبنان بشكل غير مسبوق، ما رفع حجم الطلب عليه كثيراً. وهو ما أوصل سعر الـUSDT (أي الدولار الرقمي) عبر التطبيق إلى مستويات قياسية تجاوزت الدولار الحقيقي. فكل 1 USD بات يساوي نحو 1.3 و1.5 دولار فريش. بمعنى تجاوز سعر الـUSDT سعر الدولار الحقيقي. وذلك بسبب ارتفاع الطلب عليه.

تفاصيل عملية النصب
تصل عائدات الاستثمار في تطبيق binancesfund إلى مستويات خيالية، حسب أحد المستثمرين به في حديثه إلى "المدن"، منها على سبيل المثال: استثمار أو إيداع مبلغ مالي بقيمة 30000 دولار، ينتج عنه ربح بقيمة 960 دولار يومياً، على مدى 75 يوماً مدة العقد. ما يعني أن استثمار 30 ألف دولار سيعود على المودع بربح 72 ألف دولار، وتتقلص نسبة الأرباح مع تقليص المبلغ، فاستثمار 10000 دولار مثلاً ينتج ربحاً بقيمة 300 دولار يومياً، على مدى 60 يوماً. أي 18 ألف دولار بنهاية العقد. وترتفع الأرباح كلما زاد المبلغ المستَثمر. والجدير بالذكر، أنه لا يمكن للزبون سحب رأسماله قبل انتهاء المدة الزمنية للاستثمار المحدد مسبقاً.

هذه الأرباح الضخمة في فترات زمنية قصيرة جداً، لا يمكن أن تأتي سوى من عملية نصب واحتيال، على ما يقول أحد الخبراء في عمليات التداول الرقمي. كما أن الترويج القوي للتطبيق في لبنان إنما يخفي وراءه شخصاً أو ربما أشخاصاً محددين، استهدفوا تنفيذ عملية احتيال مخطط لها.

تبييض أموال وتمويل إرهاب!
ولخبراء التداولات الرقمية وجهة نظر علمية لجهة التورط بتداولات عالية المخاطر والوقوع ضحية عمليات نصب واحتيال، وتقول نصرالله "لنفترض أن مشغلي binancesfund متورطين بغسيل أموال أو تمويل جماعات ارهابية أو تجارة مخدرات. فهذا الأمر يجعل كل الضحايا ضالعين بشكل غير مباشر بأعمال جرمية، خصوصاً أنهم هم من سلموا أموالهم لهذه الجهة من دون أي بحث أو تدقيق".

وترجّح أن تكون الجهة التي تضخ الأموال تعمل من منصة أخرى (لا يمكن ذكر اسمها) ولكن هكذا نشاط يستحيل أن يجري من منصة باينانس، التي تطلب تعريفَ وتوثيقَ اسم وباسبور الشخص، وتتحقق من الوجه في حال أراد المرسل إرسال كمية تزيد عن قيمة مالية تقدر بقطعة بتكوين Bitcoin. وتجزم أن هكذا نشاط يحتاج إلى منصات أخرى لا تراعي شروط الحماية الأمنية والمالية بشكل جيد.

هل يمكن ملاحقة المحتالين؟
تكشف نصرالله عن معلومات مؤكدة تفيد بأنه يجري التواصل مع المشرفين على عملة usdt للتحري اكثر عن الموضوع، لأن ما حصل يعد نصباً من العيار الثقيل، وطال الكثير من الأبرياء. وتشرح بأن شبكة usdt trc20 تعمل على "بلوك تشين". وبالتالي، كل العمليات التي حصلت بين الجهة التي تحتال وتنصب الأموال وبين الضحايا موثقة في بلوك تشين، وبالتالي يمكن تعقبهم، "وببساطة، إن كل شبكة على بلوك تشين تسجل المفتاح العام للمحفظة المرسلة والمحفظة المرسل إليها. وفي حال الحصول على مفتاح عام واحد لمحفظة يمكنك تعقب كل حركتها المالية بسهولة".

أما عن خطورة الأمر على ضحايا عملية الاحتيال، فتكمن -حسب نصرالله- باحتمال قيام الجهة التي قامت بعملية النصب بإرسال ما نسميه dust إلى محافظ الزبائن من أجل تعقب أموالهم، خصوصاً أن الخدمة كانت تطلب توثيق حسابات عبر الباسبور.

تعطيل عملية الإحتيال
بات مؤكداً أن باينانس هي من قامت بتعطيل عملية الاحتيال التي يقوم بها binancesfund. فالعملية لم تتوقف بسبب تمنع القراصنة عن الاستمرار بسداد الأموال للمتداولين، بل هي binance من فضح أمرهم. وحسب نصرالله، قامت باينانس قبل أيام بتجميد عقد usdt trc20 وبررت ذلك بأنها تريد إصلاح شيء بالعقد. ومن المرجح أن ذلك مرتبط بعملية الاحتيال، خصوصاً أنه بعد انتهاء باينانس من ذلك، لم يتمكن أي من ضحايا binancesfund من تلقي أموالهم.

حجم الخسائر
إغلاق تطبيق binancesfund شكّل خسارة لكثير من المتداولين اللبنانيين، لكن ليس بالضرورة أن تلحق الخسارة كل متداول عبر التطبيق. فهناك عدد كبير من المتداولين قد استوفوا قيمة المبالغ التي أودعوها كرؤوس أموال، ولم يخسروا تالياً سوى الفوائد التي كانوا موعودين بها. أما الخسارة الكبرى فلحقت بأولئك الذين دخلوا حديثاً على خط التداول والاستثمار عبر binancesfund وهم كثر.