يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

"التحقيق" مع الصرّافين يبدأ اليوم: على من يضحك سلامة؟

Monday, June 21, 2021 9:24:33 PM

من المفترض أن تبدأ اليوم الاثنين تحقيقات لجنة الرقابة على المصارف في ملف الصرّافين، الذين "يشتبه" حاكم مصرف لبنان بمخالفتهم تعاميمه، عبر إجرائهم عمليات صيرفة في السوق السوداء وخارج منصّته المستحدثة. سلامة يستدل على "مخالفاتهم" بمستويات التداول المنخفضة المسجّلة على المنصّة، والتي لا تتناسب مع حجم تداولات السوق المعتادة. لكن الغرابة الفعليّة لا تكمن في وجود هذه المخالفات، بل في توقّع حاكم المصرف المركزي عدم حصولها منذ الأساس، أو بصورة أدق: في رهانه على إمكانيّة إلزام تداولات السوق الموازية بسعر صرف المنصّة المنخفض، الذي لا يتناسب مطلقاً مع سعر الصرف الفعلي الأعلى، أو مع توازنات العرض والطلب في الأسواق.

محاولة فرض امتثال الأسواق لسعر المنصّة بالقوّة، والتحقيق في الحالات المخالفة، يبدوان اليوم أقرب إلى تحدي قوانين اقتصاديّة توازي في بداهتها قانون الجاذبيّة في الفيزياء. وهي مسألة يُفترض أن يدركها شخص كحاكم مصرف مركزي. فكل ما يجري يشير إلى أننا أمام مسرحيّة جديدة، شبيهة بمسرحيّة محاولة فرض سعر المنصّة القديمة في سوق الصرّافين منذ أكثر من سنة. هل هو مخرج مشرّف لرسوبه في امتحان المنصّة، بعد رمي مسؤولية الفشل على الصرّافين كما فعل يوم فشلت منصّته القديمة؟ هل يريد بذلك أن يرفع المسؤوليّة عن نفسه، بعد أن جرى الضغط عليه من قبل العهد، للتسريع في إطلاق المنصّة لاحتواء سعر الصرف؟ كل الاحتمالات واردة، لكنّ الأكيد أنه أكثر من يدرك أن ما يفعله إخراج إعلامي لا أكثر.

الصرّافون: ليس بالإمكان أكثر مما كان
يصعب في العادة الدفاع عن آليات عمل الصرافين، الذين يتسم عملهم بقدر كبير من الغموض، وتدور حولهم دائماً شبهات المضاربات في السوق السوداء، لا بل مثّل كثير من هؤلاء الذراع التي كانت تقوم المصارف من خلالها بجمع دولارات السوق الموازية، لتعويم حساباتها في الخارج. ولذلك، أتقن سلامة اختيار الجهة التي تملك "الجسم اللبّيس" لاتهامها بإفشال المنصّة، وبالتداول بالدولار في السوق السوداء، الخارجة عن آليّة العمل التي وضعها مصرف لبنان للتداول بالدولار.

لكن من الناحية العمليّة، ومعزل عن درجة شفافيّة أو تعاون شركات الصيرفة، لم يكن من الممكن توقّع استيعاب المنصّة لتداولات الأسواق، وفقاً لتسعيرتها الحاليّة. فمن يملك الدولار ويريد بيعه من الزبائن، لن يقصد حكماً منصّة سلامة التي تسعّر الدولار بنحو 12 ألف ليرة، في حين أن السعر الفعلي في السوق السوداء يتجاوز اليوم حدود 15 ألف ليرة للدولار. ومع انتفاء العرض، انتفت عمليات التداول عبر المنصّة، بمعنى البيع والشراء النشط، واقتصر عمل المنصّة على تجميع طلبات تجار المواد الغذائيّة والأدوية عبر المصارف، لشراء كميّة الدولارات المحدودة التي يبيعها مصرف لبنان من احتياطاته. أما حركة التداول الفاعلة بيعاً وشراءً، فظلت تمر عبر السوق السوداء خارج المنصّة.

باختصار، وبمجرّد بقاء هذا الفارق الواسع ما بين التسعيرتين، أصبح أمام شركات الصيرفة خيارين لا ثالث لهما: إما حصر عملها بالمنصّة، وبالتالي الخروج الفعلي من السوق، وترك العمليات تتجه إلى السوق السوداء المفتوحة على عدد كبير من التجار والوسطاء غير المرخصين. وإما ترك الباب مفتوحاً بشكل رسمي أمام عمليات المنصّة، مع إبقاء التداول في السوق السوداء، مع علمهم المسبق بأن حركة التداول الفعلي لن تكون عبر المنصّة. وهكذا كانت النتيجة ضآلة حجم التداولات التي رصدها مصرف لبنان عبر منصته.

لكل هذه الأسباب، لم يكن عمل الصيارفة خارج إطار المنصّة سبب فشلها، بل يكمن السبب تحديداً في عدم قدرة مصرف لبنان على توحيد سعرها مع سعر السوق السوداء، وفق موازين العرض والطلب الطبيعيّة، كما تأمّل الحاكم منذ البداية. أما المسألة المستغربة، فكانت مبادرة الحاكم لمحاسبة الصيارفة على هذه المسألة بشكل غير مفهوم، في مقابل تجاهله الارتكابات الفعليّة التي كان يفترض أن يسائل شركات الصيرفة عنها، كتورط الشركات في جميع أشكال امتصاص سيولة السوق السوداء لمصلحة المصارف، بما فيها عمليات بيع الشيكات المصرفيّة بهدف جمع الدولار النقدي. علماً أن هذا النوع من العمليات ساهم في رفع سعر الصرف في السوق السوداء بشكل جنوني طوال الفترة الماضية.

تجربة المجرّب
من الواضح أن كل ما يقوم به مصرف لبنان لا يعدو كونه تكراراً لتجربة منصّته القديمة خلال العام الماضي، يوم حاول فرض تسعيرتها على السوق الموازية، وأطلقت السلطة العنان للأجهزة الأمنيّة لملاحقة شركات الصيرفة غير الملتزمة بهذه التسعيرة. وفي الحصيلة، انفلتت الأمور عن عقالها كليّاً، واستمرّ سعر صرف السوق السوداء بالارتفاع من دون أي ضوابط، فيما تحوّلت تسعيرة المنصّة إلى سعر صرف مدعوم يستعمله سلامة لتمويل عمليات استيراد المواد الغذائيّة. يومها، كان من الواضح أن التركيز على دور الصرافين، رغم تورطهم في بعض عمليات المضاربة، لم يكون سوى هروب من الاعتراف بفشل جميع المعالجات التي اعتمدها للتعامل مع مسألة سعر الصرف.

اليوم، يتكرر السيناريو نفسه بشكل غريب: تحوّلت المنصّة الجديدة إلى سعر مدعوم إنما عند مستوى 12 ألف ليرة للدولار الواحد، يعتمده مصرف لبنان لتمويل استيراد المواد الغذائيّة والدواء من الاحتياطات نفسها. وفشلت المنصّة مرّة أخرى في استيعاب حركة السوق الموازية للأسباب نفسها، فيما عاد حاكم مصرف لبنان إلى نغمة رمي مسؤوليّة الفشل على شركات الصيرفة. ومع تكرار الرهانات ذاتها، وفشل هذه الرهانات بالطريقة نفسها وللأسباب عينها، لم يعد هناك شك بأن مصرف لبنان فاقد للأدوات التي تسمح له بالتعامل مع أزمة سعر الصرف على نحو جدّي.

عراضة إعلاميّة بأبعاد سياسيّة
تتنوّع أسباب عراضة مصرف لبنان الإعلاميّة مع الصرافين اليوم. فمن المعلوم أن سلامة كان يتريّث قبل الإقدام على خطوة إطلاق المنصّة الجديدة وتفعيل عملها، ربما بانتظار تفاهم أوضح مع المصارف حول دورها في إنجاح هذه العمليّة، وحول رؤيته للمعالجة الماليّة بشكل عام. كما أراد سلامة أن يتم إطلاق المنصّة في ظل لحظة سياسيّة مؤاتيّة، بدلاً من إطلاقها في ظل حكومة تصريف أعمال لا تشاطره أولوياته ولا تملك أساساً صلاحيات الحل والربط. لكنّ تهاوي سعر الصرف، دفع العهد إلى الضغط عليه للتسريع في إطلاق المنصّة بمعزل عن أي حسابات أخرى، بعد أن رأى الطاقم الإستشاري لرئيس الجمهوريّة أن تدخّل مصرف لبنان لضبط سعر الصرف بات مسألة مطلوبة بأي ثمن.

هكذا، وتحت الضغط السياسي، أطلق سلامة منصّته لرفع المسؤوليّة عنه، وليبعد عن نفسه تهمة التقصير في معالجة هذه المسألة، خصوصاً أن بعض التحليلات اعتبرت أن سلامة يتغاضى عن قصد عن التعامل مع ملف سعر الصرف، ليزيد من الضغوط على العهد خلال مرحلة التفاوض على تشكيلة الحريري الحكوميّة. لكن مع الفشل الذريع في عمل المنصّة، سواء عبر استمرار الارتفاع في سعر الصرف، أو من خلال استمرار التباين بين تسعيرتها وسعر صرف السوق السوداء، بات الرجل يبحث عن سرديّة جديدة يقدمها لهذا الفشل، ليبعد عن نفسه تهمة التقصير في ملف سعر الصرف. وهكذا، عاد سلامة إلى تقفّي أثر الصرافين أمام وسائل الإعلام، وتحريك ملفاتهم عبر لجنة الرقابة على المصارف، رغم معرفته أن أساس المشكلة هو في مكان آخر كليّاً.

المدن

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

هل خسر لبنان فرصة تحوله إلى دولة نفطية؟

اليكم تسعيرة دولار السوق السوداء عصر اليوم

فيّاض: 80 مليون دولار ستدخل في الأشهر المقبلة إلى حساب "كهرباء لبنان"

أسعار جديدة للمحروقات: ارتفاع البنزين وانخفاض المازوت

دولة عربية تعلن استئناف رحلاتها التجارية إلى بيروت!

لوفتهانزا تعلق رحلاتها إلى لبنان!

مصر ترفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص

أسعار الذهب تحقق مكاسبًا للأسبوع الرابع على التوالي