يومية سياسية مستقلة
بيروت / °19

أَيُها الشتَامونَ.. خَوَابيكمُ سَرابٌ وأرضُكُم يَبابٌ!

Saturday, June 19, 2021 11:13:14 AM


بقلم حسن المصطفى - النهار العربي

سيقول بعض الأحباب "يوسفُ أَعرِض عن هذا"، وربما نصحني حكيم بـ: الصمتِ والصبرِ؛ وآخرُ قد يهمسُ: ألم يمكث محمد بن عبد الله في شُعبِ أبي طالبَ بين الحَجرِ والشوكِ والقيظِ!

إِربط على قلبكَ، كما ربطَ الباري على قلب أم موسى، ولا يكن فؤادك فارغاً!

لتنم قرير العين، ولتبحث عن "قيلولة التمساح" التي تمناها الشاعر العراقي جان دمو ذات مساء، عندما قال: "لو تمتعتُ بقيلولةِ تمساحٍ، لما واجهتُ الكوارثَ التي واجَهتُها".


تلك القيلولة التي تجعلك ذا جلدٍ صلدٍ، وأسنان حادة، وعيون تبصر البعيد من شررٍ فتتقيه وتحذره.

أُرخي لكم جميعاً أيها الأحباب سمعي، وإني لكم لمن المنصتين؛ إلا أن الروح تُثقلها الهموم سويعاتٍ، وتشمئزُ من النبال المسمومة التي تأتي كمطرٍ من سماوات لم تكن يوماً واسعة!
ألم يخاطب الحقُ رسولهُ "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ"، محاولاً التخفيف على قلبِ محبوبه الذي أوجعتهُ همومُ الخَلقِ وثرثراتهم التي ترمي بشررٍ.
من الطين أنا، خليطٌ من ماء ونار، نور وظلمة، أجابهُ المشاق بصدرٍ عارٍ في أوقات كثيرةٍ من دون قلق أو خوف أو تردد، وتدميني كلمةٌ - أحياناً - أُرمى بها في نيّاتي أو ذمتي؛ وكأنَ القاذفين بحجارتهم النتنة يعلمون ما في القلوب.

"هلا شققتَ عن قلبِه"، ألم يقُلها من بعثه الرؤوفُ رحمة للعالمين! فهل أنتم أكثر دراية بالقلوب التي هي بين أصابع الجميلِ الودود يُقلبها كيف يشاء.
هي أحوالٌ وأهوالٌ، وسنيٌ من عجائب، أن يكون فيها الرامون بالنبال فخورين بالقدح، غير مبالين بما يصنعون من قبحِ فعلٍ، مدعين الذودَ عن حياضِ الله وحرمه، فيما هم يقطعون أوصال عيالهِ ويدمون قلبه!

ألم يقلها نيتشه: "نحن في زمن الانحطاط الشامل". زمنٌ بات فيه التجهيل عملية ممنهجة، تتم باسم العقل والدين والقيم والأخلاق، وكل ذلك من أجل السيطرة على الأقوياء، وجعلهم تحت سطوة من هم أقل منهم حظاً وشأناً، لأن المراد خلقُ صورٍ متشابهة، ونماذجَ متطابقة، وكأننا أمام نسخ كربونيةٍ مملة وباردة لبشر بائسين، لا يتقنون إلا السمع والطاعة العمياء والبقاء ضمن عقل القطيع!

يروي كُتّابُ السيرة، أن علي بن أبي طالب، خاطب كميل ابن زياد، شاكياً له ما ضاق به فؤاده، مشيراً بيده إلى صدره، قائلاً: "إن هاهُنا لعِلماً جماً لو أصبتُ له حملة! بلى أصبتُ لقنا غير مأمونٍ عليه، مستعملاً آلة الدين للدنيا، ومستظهراً بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه، أو منقاداً لحملة الحق، لا بصيرة له في أحنائه".

أصابَ عليٌ في ما قال، وكأن هؤلاء البشر يتناسلون يوماً بعد آخر، ويتكاثرون كما الدمامل، أو الطفيليات، أو الضباع التي تقتاتُ على سمعةِ الآخرين، ويتلذذون بإطلاق النميمة تجاههم، والأكاذيب، وتلطيخ الصورة.

ليتها كانت ذلك النوع من النميمة المستحبة، التي تنساب بين ثنايا أحاديث الأمهات عند قهوة الصباح، أو أقداحِ الندماء في المساءات العالية.
هي نميمة من لا يجيدون إلا تقديم كأس السم، ويلتفون كما الأفاعي، متسلقين الأشجار المثمرة، كي يقضموا ما تدلى من تفاحٍ ويلقوا بالبقية على الأرض، تسحقه مكانسُ الساحرات الشريرات!
لكم طوفانكم، ولي مركب نوح. لكم ثعابينكم ولي عصا موسى، لكم ظلمة الحقد ولي نور السماوات والأرض.
لستُ معصوماً، ولستُ قديساً ولستُ ممن يدّعون الورعَ المصطنع ويضعونَ الأقنعةَ التي تخفي ألفَ وجهٍ ووجه. إنما أنا بشرٌ أدلي بآرائي التي قد تصيب وقد تخطئ، وهي ملكٌ لكم جميعاً، لكم أن تضعوها على العرش، أو تقذفوا بها إلى الجحيم. إنما، إياكم أن تطالوا الآخرين في ذواتهم أو شخوصهم، فتلك أفعالٌ لا تنم عن رغبة في النقد والنقاش والمثاقفة الجادة، وإنما هو سلوكٌ غير سوي، يشيرُ إلى قلة وعي وسوء خصال، وضعفِ حجة وحيلة.

لتكن لديكم أخلاقُ الفرسان النبلاء، وتنزلوا إلى السوحِ في رابعةِ النهارِ بملامحَ بينةٍ من دون لثام، وتقولوا: ها نحنُ نخالفكَ الرأي، ونقدمُ الدليلَ تلو الدليلِ على فسادِ قولك، ساعتها سأجيبكم بمحبة: حللتُم أهلاً ونزلتم سهلاً ونحن أهلُ الدليل أينما مالَ نميلُ معه، ولي من عقلكم مرشدٌ ودليلٌ.

إياكم أن تغرسوا رماحكم في ظهورِ خصومكم. لتكن الصدورُ هي من تتقابل، والعيون من تتلاقى، وحينها يصبحُ الأندادُ في حلٍ من أي لوم.
ليس لكم أن تقدموا طبقاً من الضحكات المتكاذبة عند التلاقي، فيما تشحذون السكاكين في الخفاء! ليس لكم أن تعتقدوا أن الآخرين مجرد خرافٍ غبيةٍ معدّةٍ للذبح قرباناً لأفكاركم "المقدسة" التي لا تعدو أن تكون كعجلِ بني إسرائيل، لها خوارٌ يضحكُ من يستمعُ له!

الذهبُ الذي تسرقُ صُفرته الناظرين، لم يكن يوماً دافعاً لأن أستبدلَ الذي هو خير بالذي هو أدنى، أو أبيعَ ديني بدُنيا غير! ألم يقل المتصوفة "إذا كان الذهبُ يليقُ بمكانٍ فهو فرجُ البغل"!

الذهبُ الذي في مخيال الكثير منكم، لستُ ممن يكنزونه. على العكس، سأُشيرُ لكم بإصبعٍ لا أودُ أن أوجهها لأحدٍ إلا بالخير والرحمة، وأقولُ: هنالكَ رهطٌ منكم ينامون على وسائد وثيرة، وأقمشة حرير، وسررٍ سندسٍ، لم أضع يوماً رأسي عليها، أو أحسد أو أنازع أصحابها، ولستُ تواقاً لأن أكون مثلكم: مترفَ الملبسِ فارغَ العقلِ ضعيفَ الروح. يكفيني ما قال الشاعر "وساعةٌ منكِ ألهُوها وإن قَصُرت، أحبُ إليَّ من الدُنيا وما فِيها"، وإني لمن أولئك النفر الذين يصدحون "صلاتُك عِندما ليلى، تجيء إِليكَ أَجلها.. متى ما تَلقى من تَهوى، دعِ الدُنيا وأَهملها".

لي مهاجع من حكمةٍ وضياءٍ ومحباتٍ غامرة، وبصيرة أستمدها من النبع المتدفق في الأعالي، والعلم الذي أجلس بين يديه متواضعاً مصغياً، وهي الذهبُ الحقيقيُ الذي أقبضُ عليه بقلبي، لا الكنوز الفانيةُ التي تجرون وراءها ويكدسها الثرثارون منكم في الأبناكِ والصناديق التي تعلوها الغبار.. يا كُميل "هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ".

لستُ عبداً للدرهم والدينار كما أنتم مصفدةٌ بهما عقولكم وقلوبكم والأجساد. أسيحُ في بلاد الله الواسعة، أكابدُ كما يناضلُ الملايين حول العالم من أجل حياةٍ كريمةٍ آمنةٍ حرةٍ ومستقرة، وأحمدهُ على موفور رزقه أن فضلني على كثير من العالمين. لا أنظرُ في طبقِ غيري، بل أطربُ لما في خابيتي من نعمةٍ ونعيمٍ مقيم، وأسأله الغيثَ العذب الذي يسوقهُ لمن اصطفاه!

لي حريتي التي لن أُسلمها لكم أو لسواكم، ولكم الأغلال التي أثقلتكم من دون أن تشعروا بها، لأنها أصبحت جزءاً من الذواتِ وتحكمت في العقول، وجرت بها الأهواء.
هي نفثةٌ، وشقشقةٌ، وزفرةٌ، انسابت من قلبٍ يوجعهُ أن يرى الدخان الأسود يخرجُ من أفواهٍ يتمنى أن تدفع بالتي هي أحسن. إنما الأكيد، أنني لن أكسر قوسي، ولن أخطئ جادتي، ولن أُسلم راحلتي، ولن أتلو بيان التوبة، ولن أطلب المغفرة من الساخطين التائهين.. سيكون لي نصيبٌ من صحيفة زين العابدين، وصبر أيوب، ونزق نيشته، وزهو المتنبي، وتصوف أبي يزيد البسطامي، ورباعيات الخيام، ولا مبالاة زياد الرحباني، وأغاني مادونا، وموسيقى وروحانية الكون الفسيح الذي يتسعُ حضنه لصلوات وابتسامات المحبين، الذين أرشدهم الحَقُ وألقى عليهم محبةً منه، واصطنعهم على عينهِ ولنفسهِ، واصطفاهم لأنسهِ وقربه.

الدربُ طويلٌ، والمسيرُ دائمٌ، والريح ستراقصُ الأمواجَ كعادتِها: ساعة تداعب السابحين كالنسيم، وأخرى تصفعهم بغضب الطبيعة الذي يأتي على حين غفلة، فيلقفُ ما يأفكون.. فاحذروه! هو كخيطِ الحرير الرقيق، يُزينُ جيدَ الحسانِ، لكنه أيضاً يلتفُ على يدِ السارقِ فيغُلها!

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- تغيير الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان: الخيارات الأمريكية

خاص- إيران تستعد للضربة المنتظرة ضد اسرائيل.. تقرير يكشف

خاص- عمليات حزب الله تحولت الى نوعية.. كم عسكري اسرائيلي قتلت؟

خاص- تقارب محتمل بين الإمارات وحزب الله؟

خاص- اقرأوا هذه التفاصيل.. هكذا تستعدّ إسرائيل للحرب مع "الحزب"

خاص- أسلحة أميركية جديدة إلى إسرائيل

خاص- الولايات المتحدة قلقة على لبنان من إسرائيل.. لماذا؟

خاص- كيف ساعدت الدول العربية في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟