يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13
هل كان أفضل لبايدن عدم عقد قمّة مع بوتين؟

Friday, June 18, 2021 10:24:51 PM

حذّر مراقبون الرئيس الأميركيّ جو #بايدن من عقد قمّة مع نظيره الروسيّ فلاديمير #بوتين لأنّه سيحقّق رغبته بإعطاء موسكو موقعاً مساوياً للموقع الأميركيّ على المستوى الدوليّ. لكنّ هذا التحذير فضفاض إلى حدّ معيّن. لطالما عقد الرؤساء الأميركيّون قمماً مع نظرائهم السوفيات أو الصينيّين، من دون أن تكون هذه المخاوف طاغية على لقاءاتهم. ففي وقت يسعى العالم إلى تجاوز أزمات متجذّرة قابلة للاشتعال، لا يحتلّ الخوف من منح "شرعيّات غير مستحقّة" للخصوم أولويّة مطلقة على أجندة الرؤساء الأميركيّين. مع ذلك، لا تخلو تلك التحذيرات من المبرّرات حتى ولو لم تكن الأخيرة مرتبطة مباشرة بالشكليّات.

برزت المشكلة الأساسيّة في الفترة الزمنيّة الضيّقة التي منحها بايدن لنفسه من أجل الاجتماع ببوتين. كان قد مضى على تولي #ترامب الرئاسة سنة ونصف السنة قبل أن يلتقي ببوتين في #هلسينكي (تمّوز 2018). في المقابل، لم ينتظر بايدن خمسة أشهر كاملة على وجوده في البيت حتى يعقد قمة مع بوتين في #جنيف. صحيح أنّ بايدن يملك من الخبرة في العمل السياسيّ (الكونغرس ونيابة الرئاسة) ما يكفي لمواجهة خصمه، لكنّ قمّة بعد سنوات من التوتّر مع #روسيا وصلت خلالها العلاقات إلى مستوى أدنى ممّا كانت عليه في الحرب الباردة تحتاج إلى تحضيرات أكثر. فمن ناحية، يملك بوتين أيضاً خبرة طويلة في لقاء الرؤساء الأميركيّين (بايدن هو الرئيس الخامس الذي يحاوره)، ومن ناحية ثانية، لم تتوقّف الهجمات الإلكترونية التي تتّهم بها واشنطن موسكو حتى قبل انعقاد القمّة بفترة وجيزة. يضاف إلى ذلك أنّ بايدن كان من طلب عقد القمّة لا العكس وهي خطوة لم يستسغها البعض.

منذ أيّام قليلة، لفت المدير التفيذي لـ"المجلس الأطلسيّ" فريديرك كمبه الأنظار إلى أنّ توقيت قمّة بايدن-بوتين يصادف الذكرى الستين لانعقاد قمّة كينيدي-خروتشيف في حزيران 1961. حينها، اصطدم الرئيس جون كينيدي بزعيم سوفياتيّ متشدّد إيديولوجيّاً ويرى في خصمه رئيساً متردّداً سبق أن أبدى دعماً متلكّئاً لاجتياح خليج الخنازير الذي فشل قبل شهرين من انعقاد القمّة. وبحسب الكاتب نفسه، اعترف كينيدي لمراسل "نيويورك تايمس" بأنّ خروتشيف تحدّث إليه بعنف. بعدها، بدأ الاتحاد السوفياتيّ ببناء جدار برلين، كما أشعل فتيل التوتّر في كوبا عبر نشر صواريخ نوويّة فيها موجّهة ضدّ الولايات المتّحدة. على الرغم من الفارق في الحقبات والإمكانات، تمحور تحذير كمبه حول ضرورة ألّا يبدي بايدن تساهلاً مع بوتين لأنّ الأخير سيتفوّق عليه.

بحسب كلمات الرئيسين، كان الاجتماع بينهما إيجابيّاً، وإن لم يخلُ من التهديدات المبطّنة خصوصاً في ما يتعلّق بالهجمات السيبيرانيّة. أعطى بايدن نظيره الروسيّ لائحة ببنى تحتيّة أميركيّة قال إنّها لو تعرّضت للهجوم فستردّ الولايات المتّحدة بهجوم إلكترونيّ على مصدره. يعتقد مدير "مركز كارنيغي" في موسكو دميتري ترينين أنّ هذه الطريقة "ذكيّة" وأكثر فاعليّة من مجرّد الطلب إلى بوتين عدم شنّ هجمات سيبيرانيّة ضدّ بلاده، وهو أصلاً يجب أن يكون من البديهيّات. انتهى الاجتماع بإعلان بوتين أنّ الطرفين اتّفقا على "التشاور" بخصوص الأمن السيبيرانيّ.

على عكس كينيدي، أتى بايدن إلى القمّة بثقة أكبر. تخرج بلاده تدريجياً من جائحة "كوفيد-19" مع نسبة تلقيح هي من بين الأعلى عالميّاً، وتوقّعات بأن يشهد الاقتصاد الأميركيّ قفزة كبيرة نتيجة لذلك. بالمقابل، يبدو الوضع سلبيّاً في روسيا. تمّ إغلاق موسكو مؤخّراً بسبب ارتفاع جديد في إصابات "كورونا"، مع تلكّؤ كبير لدى الشعب الروسيّ بتلقّي لقاح "سبوتنيك-في" المحلّيّ الصنع. لكنّ ذلك لا يعني أنّ بوتين توجّه إلى #سويسرا بعقليّة المهزوم. على النقيض من ذلك، وبحسب تعبير روبين ديكسون في صحيفة "واشنطن بوست"، ذهب بوتين إلى جنيف وهو ليس لديه أيّ شيء ليخسره بما أنّه توقّف منذ فترة طويلة عن السعي إلى كسب رأي غربيّ إيجابيّ تجاهه. بعدها، وبحسب ديكسون أيضاً، عاد بوتين إلى دياره حاملاً كلّ ما أراد تحقيقه هناك، أي إظهار قيادته لواحدة من أكبر قوّتين نوويّتين في العالم كما إظهار أنّه من دون الكرملين، لن يتمّ تحقيق أيّ تقدّم على صعيد الأمن الدوليّ.

قال بايدن خلال القمّة "لقد فعلت ما أتيت لأجله". لا شكّ في أنّ المقصود من هذا الكلام هو رسم "الخطوط الحمراء" التي على بوتين عدم انتهاكها وفي مقدّمها الهجمات السيبيرانيّة. لكنّ احترام هذه الخطوط يطرح إشكاليّة جديدة على موسكو. لقد نفت الأخيرة أيّ علاقة لها بهجمات مشابهة استهدفت سابقاً قطاعات حيويّة في #الولايات المتحدة. إن توقّفت هذه الهجمات فهذا يعني على الأغلب أنّ روسيا وقفت وراءها وأنّها تراجعت عنها بعد التهديد الأميركيّ. وإن تواصلت عمليّات القرصنة فقد تتعرّض موسكو لهجمات سيبيرانيّة خطيرة من واشنطن وتعاود العلاقات انهيارها. وستعني قرصنةٌ مصدرُها روسيا أنّ رحلة بايدن إلى جنيف ذهبت سدى، خصوصاً إن لم يترافق الأمر مع إطلاق سراح أميركيين من السجون الروسيّة، بحسب وعد بوتين بدراسة الموضوع. إلى جانب ذلك، أراد بايدن تخفيف التصعيد مع روسيا، لكنّ المسؤول عن الملفّ الروسيّ في الإدارة السابقة تيم موريسون قال إنّ واشنطن غير متأكّدة من أنّ روسيا نفسها تسعى إلى هذا الهدف.


دايفد شيد من مؤسسة "هيريتدج" وإيفانا سترادنر من "معهد المشروع الأميركي" كتبا الأحد الماضي أنّه كان ضروريّاً على بايدن ألّا يعقد لقاء مع بوتين. فإضافة إلى سلوكها الدوليّ، قرصنت روسيا الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة بعد لقاء وزيري الخارجيّة الروسيّة والأميركيّة الشهر الماضي، كما رفضت الإدارة الاعتراف بوجود صلة بين الروس وقرصنة خط أنابيب "كولونيال" على الساحل الشرقيّ للولايات المتّحدة. بالنسبة إلى الكاتبين، أطلق بايدن كلمات قاسية بحقّ روسيا من دون إقرانها بالأفعال، وهذا يعني أنّ بوتين سيواصل سلوكه تجاه الولايات المتحدة، لكن بعد أن ينال اعترافاً من الرئيس الأميركيّ بمكانته الدوليّة.

سألت "النهار" سترادنر، وهي خبيرة في الأمن السيبيرانيّ والحرب الهجينة، عن رأيها بالقمّة وعمّا إذا كانت قد أتت على مستوى تطلّعات الأميركيّين. رأت سترادنر أنّه في حين احتفل البعض بتلك القمّة على أنّها نجاح، "تمّ تحقيق القليل، الأمر الذي لم يكن مفاجئاً". القضيّة الوحيدة التي حلّت هي عودة السفيرين إلى واشنطن وموسكو. أمّا بالنسبة إلى الأمن السيبيرانيّ فلم يتوصّل الطرفان إلى أيّ اتّفاق لكنّهما وافقا على بدء المشاورات.

وأضافت سترادنر: "أعلن بايدن عن حقّ أنّ الولايات المتّحدة ستردّ على روسيا ومجرمين سيبيرانيّين في حال استهداف بنية تحتيّة أميركيّة حيويّة. مع ذلك، الكلمات رخيصة الثمن وسيختبر الكرملين واشنطن كي يرى ما إذا كان هذا الأمر تكراراً لكارثة ‘الخط الأحمر‘ لأوباما".

ونبّهت سترادنر إدارة بايدن إلى عدم إمكانيّة توقّعها التزام روسيا القواعد بشأن الفضاء السيبيرانيّ بما أنّ روسيا تنتهكها بشكل روتينيّ. "يجب ألّا ننسى أيضاً أنّه في 2019، تفوّقت روسيا على الولايات المتحدة في الحصول على موافقة الأمم المتحدة على صياغة معاهدة عالميّة لمكافحة الجريمة السيبيرانيّة. وعلى واشنطن ألّا تحتفظ بتوقّعات عالية لاتّفاقات سيبيرانيّة ثنائيّة مع موسكو. عوضاً من ذلك، على الولايات المتحدة أن تسعى بقوّة إلى قدرات هجوميّة جديدة من أجل تحقيق الاستقرار في الفضاء السيبيرانيّ".

انطلاقاً ممّا سبق، هل تتدهور العلاقات الثنائيّة مجدّداً فيندم الرئيس الأميركيّ لأنّه استعجل عقد قمّة مع نظيره الروسيّ من دون ضمان نتائج ملموسة؟ أم أنّ فترة من الهدوء ولو موقّتة مع روسيا قد تكون كافية بالنسبة إليه كي يتفرّغ لمقارعة الصين؟

النهار

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

بالفيديو: أكثر من 30 قتيلا وعشرات جرحى في ضربات إسرائيلية على حلب

الحوثي: نحذر من التورط معنا برًا

بالفيديو.. حادث مروري "مأساوي" في جنوب إفريقيا يخلف 45 قتيلا

تجنيد "الحريديم".. معضلة شائكة تهدد حكومة نتنياهو

بالصورة... شاهدوا ما يجري قرب الحدود مع لبنان

محكمة العدل الدولية تصدر بالإجماع أمرا جديدا لإسرائيل

مقرب من السنوار.. إسرائيل تعلن مقتل "مسؤول كبير" في حماس

نتنياهو يتراجع.. وفد إسرائيلي إلى واشنطن من أجل رفح