بقلم المحامي ناضر كسبار
على اثر وفاة الوزير والنائب المحامي زكي مزبودي، كتب المحامي عمر زين الامين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب كلمة مؤثرة جاء في مقدمتها: "فقد لبنان رجلا من رجالاته الكبار، مكافحا وطنيا صلبا ضد الظلم والظالمين بعقيدة ايمانية راسخة اعتنقها منذ طفولته، وتربى عليها مع اخوانه في بيت صالح مؤمن. وتجلى هذا الايمان في حياته ومع عائلته ورفاقه واصدقائه وزملائه وتلاميذه ومع كل الناس.
في زيارتي الاخيرة له في مكتبه شاهدته يقوم بجمع ما كتبه من مقالات ودراسات وتصريحات واقوال داخل الندوة النيابية وخارجها فقال لي باعتزاز وفخر:
"الحمدلله اني لم ابخل يوماً في العطاء، ولم اوفر جهدا بالتعاون مع الاخيار من ابناء وطني الا وبذلناه ضد اعداء الوطن والمنافقين ونجحنا في منعهم من التسلط على عقولنا التي بقيت حرة، وعلينا يا عزيزتي عمر واجب ابعادهم عن عقول الاجيال لتبقى ايضا حرة في مقدراتها والقرار".
* * *
بريق المال الخاطف
يقول النقيب والوزير السابق فؤاد الخوري في كتابه "النيابة في لبنان" انه في العام 1974، وبينما الاضرابات والتظاهرات يزداد عددها يوما بعد يوم، برز لنواب الامة اهتمام، ولكن في ابتداع شرعة جديدة تؤمن موردا ماديا غزيرا لهم ولرؤساء الوزارات ورئيس الجمهورية بعد انفصالهم عن العمل الرسمي ولاسرهم من بعدهم، وهي رواتب شهرية معينة.
ويقول الاستاذ الخوري:"عند طرح هذا المشروع على بساط البحث في مجلس النواب في 27 حزيران 1974، تهافت عليه النواب" وصدقوه جميعا في جلسة قصيرة واحدة، ما عدا اربعة نواب اكارم عارضوه هم: الرئيسين شمعون وكرامي والنائبين شادر ومخيبر.
ويضيف انه كتب يومها مقالا في جريدة البيرق ومما جاء فيه:
"...هي الروح المادية التي طغت في هذه الاونة من العصر، فتبدلت تحت وطاتها مقاييس في المبادئ والقيم من آثاره، نهم مادي عام وغلو في الايثار الذاتي".
"...النيابة في الاصل رسالة تولي من استحقها شرف تمثيل الشعب باقبالهم على تطويق عنقه بثقة منهم لا تقدر بثمن..."
"...من اقوال عمر بن الخطاب: لا تنظروا الى صلاة احد ولا الى صيامه، ولكن انظروا الى روعه اذا اشرف على الدينار والدرهم.
"وكم تتعثر النفوس في دروب الشهوات، ويخطف بريق المال ابصارا وبصائر".
* * *
آخرتنا نطحن زبالة
كان رئيس هيئة التشريع والتحديث في مجلس النواب المحامي اوغست باخوس كثير النشاط والحركة. وقد تبؤا رئاسة بلدية الجديدة البوشرية السد وهي من اكبر البلديات في لبنان وكان لا يزال في السابعة والعشرين من عمره، فسافر الى عدة بلدان ودرس اوضاع البلديات فيها واهم التقنيات الحديثة وطبقها في البلدية التي لاقت ازدهاراً واسعا في عهده.
ولا يكتفي المحامي باخوس بالقراءة ومشاهدة البرامج التلفزيونية المفيدة. بل يعتمد نظام الشورى ويسأل ويستفسر عن مختلف المواضيع حيث اخبره احد المغتربين في كندا ان المنازل هناك باتت تعتمد على مطحنة صغيرة لطحن النفايات المنزلية مما يساعد على عدم الاضرار بالبيئة والى التوفير...الخ.
وعندما عرض الفكرة في مجلس خاص على عدد من ابناء بلدته، انبرى احدهم وهو يتمتع بروح الفكاهة والدعابة. ويعتبر ركنا من الاركان الانتخابية المعروفة عقل واكيم، فقال للاستاذ باخوس:
ولو يا ابو قيصر، آخرتنا نطحن زبالة؟.
* * *
سوانح خمسين
جاء في كتاب معالي النقيب المرحوم فؤاد الخوري "سوانح خمسين" ان النقيب جان جلخ كان مستقطبا دائرة من المحامين يروي امامهم ملحاً ونوادر كان هدفا لها اشخاص غائبون من قضاة ومحامين. وبينما هم في غمرة البهجة والاستحسان، نودي على الاستاذ جلخ من قبل المحكمة لحضور جلسة فيها، فهب يلبي النداء. وبعد ان سار مسافة تذكر انه كان يسبر الاغوار ويعجم الاغوار. فخشية ان يناله الزملاء في غيابه بما كان يناله سواه رجع بعض الخطوات يحدق في وجوه اهل الحلقة قائلا لهم: كل واحد يحكي بأصلو.
ويضيف النقيب خوري والاستاذ فيليب ضرغام، لكثرة ما كان كل يوم تقريبا يجمع في جعبته احدث الاخبار لواذع النقد يوزعها ذات اليمين وذات الشمال ضمن حلقة من الرفاق تحت الشجرة (شجرة العدلية) اعطي لقب "الاذاعة اليومية".
وفي مكان آخر ينتقد النقيب خوري الموكلين الذي لا يقولون الحقيقة كاملة لوكيلهم المحامي. ويقول في هذا المجال، يزعم بعض الناس ان المحامين لا يتوخون الحقيقة في قولهم وانهم لا يستنكفون عن المرافعة في دعاوى باطلة. ولكن هؤلاء الناقدين ينسون ان المحامي لا يعرف من الدعوى الا ما يقوله موكله، وتأكدوا ان ما من موكل يقول لوكيله ان دعواي كاذبة.
* * *
محقق عتيق بروح وبرجع
في دعوى شهيرة امام محكمة التمييز برئاسة القاضي المرحوم وجيه علويه (منتدب) بدأ رئيس المحكمة بطرح الاسئلة على المتهم. فطرح عليه سؤالا حول نقطة معينة، وبعد الجواب طرح عليه سؤالا آخر حول نقطة اخرى بعيدة كل البعد عن النقطة الاولى. فوقف وكيل الجهة المدعية معالي المحامي ادمون رزق يستفسر عن كيفية عدم متابعة الاسئلة عن النقطة الاولى، فأجابه الرئيس علويه:
انا قاضي تحقيق عتيق بروح وبرجع.
(اي يسأل المتهم عدة اسئلة متنوعة وفي نقاط مختلفة فيبتعد عن النقطة الاولى ثم يعود اليها لاحقا فاذا كان المتهم لا يقول الحقيقة فيقع في التناقض لانه لا يتابع افكاره حولها).
* * *
المهم تصيب
في السبعينات، قال احدهم للمحامي طانيوس رزق:"يبدو ان الآنسة فلانة ضاربة عينها عليك. فما قولك"؟. فأجابه:"مش المهم تضرب المهم تصيب".
* * *
ملك السلطة
كان المحامي طانيوس رزق يتناول طعام الغداء لدى احد اصدقائه العازبين. ومما قدم على المائدة سلطة خضار ابدى رزق استحسانه لها. فقال صديقه:"إنني اجيد تحضيرها الى درجة ان بعضهم يلقبني "ملك السلطة"
فأجابه: لكنني لا اهنئك بهذا التاج.