يومية سياسية مستقلة
بيروت / °13

البعاصيري و"حلم إبليس بالجنة"

Saturday, July 4, 2020 4:59:22 PM

خاص "اللبنانية"
المحرر السياسي

عندما يصبح إيصال محمد بعاصيري الى رئاسة الحكومة اللبنانية هدفا اميركيا من شأنه يعزز رصيد الرئيس دونالد ترامب الانتخابي المتراجع، يعني ذلك ان الادارة الاميركية الراهنة تعيش مرحلة عصيبة على مستوى حملاتها الانتخابية لتمكين ترامب من الفوز بولاية جديدة تكرسه في مصاف الرؤساء الاميركيين الكبار، لأن المتعارف عليه في الولايات المتحدة هو ان الرئيس الذي يحكم لولايتين يكون من صنف هؤلاء الكبار الذين تعاقبوا على الرئاسة الاميركية منذ ايام جورج واشنطن الى اليوم..

لكن ماذا يمكن لبعاصيري رجل الاميركيين السابق في سلطة القرار المالي اللبناني ان يقدم لترامب حتى يرفع من رصيده الانتخابي ويزيد من فرص فوزه المتراجعة امام منافسه الديموقراطي جو بايدن؟ بل ماذا يمكن لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الطامح لرئاسة الجمهورية والذي كان بعاصيري نائبه الثاني الى الشهر الماضي، ان يقدم لترامب من "مُعين انتخابي"، وهو الطامح للوصول الى رئاسة الجمهورية عام 2022 وتكوين ثنائي رئاسي ـ حكومي مع بعاصيري الذي لم يتخلَّ عنه سابقا ولا في ايام الشدة التي يعيشها الآن ويحمله فيها اللبنانيون المسؤولية عن الانهيار المالي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد من جراء سياساته وهندساته المالية منذ اكثر من 27 عاما على وجوده ولا يزال حاكما لمصرف لبنان المركزي؟

رأسمال بعاصيري عند الاميركيين منذ ان كان رئيساً للجنة الرقابة على المصارف الى حين وصوله الى منصب النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان والذي أُخرِج منه بفعل التعيينات الادارية المالية التي اقرتها الحكومة في الآونة الاخيرة هو انه كان موضوع ثقة وزارة الخزانة الاميركية التي كان منسق العلاقة بينها وبين مصرف لبنان وكل القطاع المصرفي اللبناني، وذلك في مجال مكافحة غسل الاموال وتعقب مصادر تمويل الارهاب وتجفيفها، وعلى تقاريره بنت الادارة الاميركية عبر وزارة الخزانة كثيرا من العقوبات على مصارف محسوبة على جهات سياسية او طائفية وكذلك عقوبات على جهات حزبية وسياسية تناوىء سياسة الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في لبنان والمنطقة. ولذا فإن الادارة الاميركية لا يضيرها وصول بعاصيري الى رئاسة الحكومة اليوم قبل الغد، بل انها هي التي تريد ذلك اذا استطاعت اليه سبيلا.

ربما يطمح الاميركيون الى ايصال بعاصيري الى رئاسة الحكومة بموجب صفقة مع الايرانيين على غرار صفقة ايصال حيدر الكاظمي القريب منهم الى رئاسة الحكومة العراقية، لكن شتان ما بين العراق ولبنان، أولاً، لأن لبنان ليس العراق، وثانياً، لأن "الثنائي الشيعي" وكل فريق لبناني آخر تضرر من تقارير بعاصيري الى الاميركيين لن يقبل به رئيسا للحكومة، وثالثاً،لأن الايرانيين ليس لهم تأثير في هذا الملف حتى على حلفائهم وعلى رأسهم حزب الله الذي هو المتضرر الاكبر من تقارير بعاصيري بل ومن تقارير سلامة نفسه، وقضية مصرف "جمال ترست بنك" الذي اغلق بناء على عقوبات اميركية لم يجف حبرها بعد..

ولا يكفي بعاصيري ان يعبّر في حديثه الى قناة "العربية ـ الحدث" عن زهد في انه مستعد "لخدمة الوطن" في اي موقع كان، حتى يقبل به السامعون من جهات سياسية ورأي عام، فما هو مكتوب في سجله المهني ما تزال اثاره مستمرة في الوضع المالي المذري الذي تعيشه البلاد الآن، فهو شريك الحاكم سلامة في كل الهندسات المالية التي اجراها في عمليات دمج المصارف السابقة وربما سيكون شريكه في العمليات اللاحقة الموعودة لأنه ما زال يعمل معه مستشارا خاصاً، فهو خرج من باب مركز نائب الحاكم ليعود من النافذة، لأن سلامة غير قادر على الاستغناء عنه وهو في مكان ما يشكل مستودع اسراره في حاكمية مصرف لبنان.
واذا كان الحراك الشعبي تثور ثائرته على سلامة بنحو شبه يومي، حيث يندر ان يمر يوم من دون ان يحصل تظاهر واعتصام امام مقر مصرف لبنان احتجاج على سياسيته المالية وعلى الاذلال الذي يلحق بالناس في المصارف من موظفين ومودعين بسببها، فكيف له ان يقبل بـ"شريكه" بعاصيري رئيسا للحكومة، بل ان هذا الحراك يرفض عودة الرئيس سعد الحريري الى السراي الحكومي، فكيف له ان يقبل بمحاسيبه الذين يشكل بعاصيري واحدا منهم منذ ايام الحريري الأب الصيداوي الذي كان هو من جاء بهذا "الصيداوي" الى سلطة القرار المالي بتعيينه يومها رئيسا للجنة الرقابة على المصارف والتي انتقل منها لاحقا الى موقع النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان.

ولذلك فإن طموح الاميركي وحلفائه الى ايصال بعاصيري الى رئاسة الحكومة في زمن الانهيار المالي والنقمة العارمة على الطبقة السياسية التي يعتبر سلامة وبعاصيري وكل من يشبههما في السلطة المالية من ازلامها ومحاسيبها، سيتحول في رأي العارفين ببواطن الامور سراباً، بل سيكون مثل "حلم ابليس بالجنة" لأن "المؤمن لا يلدغ من جُحرٍ مرتين".. فكيف اذا كان هذا الملدوغ هو الشعب اللبناني بغالبيته؟
لقد ولى زمن سيادة الفاسد وإكرامه الذي كان البلاء... وما يطمح اليه اللبنانيون بعد كل ما جرى ويجري، هو ان يتولى رئاسة حكومتهم رجل كفوء ونظيف الكف ولم يتورط في فساد المنظومة الفاسدة التي اوصلت البلاد الى قعر الهاوية وجعلت اكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر..

يلفت موقع "اللبنانية" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر الّا عن وجهة نظر كاتبه او مصدره.

 

مقالات مشابهة

خاص- لماذا ينتخب الثنائي مرشّح باسيل؟

خاص- احتفالات أحد الشعانين عمت لبنان.. ماذا عن أسعار الشموع والملابس؟

خاص- هل ضغط "التيار" أدى إلى تراجع الحكومة؟

خاص- أدوية خطيرة تغزو السوق.. انتبهوا!

الخازن لـ"اللبنانية": النافعة بجونية ستفتح بوقت قريب

خاص- حرب الجنوب.. مخاطر تداعيات لا يمكن التنبّؤ بها

خاص - اقترب الحل... وينتظر اختيار رئيس الحكومة

خاص- إسرائيل مستعدة لحرب الأثمان الباهظة